البصير المكي الدار والوفاة، فقرأ عليه ختمة مجودة من طريق حفص، ثم حفظ عليه الشاطبية، وقرأ القراءات السبع من طريقها، ثم حفظ الدرة، وأتم القراءات العشر من طريق الشاطبية والدرة، ثم حفظ الطيبة لشيخ هذا الفن الشيخ محمد بن الجزري، وقرأ عليه ختمة من طريقها للقراء العشرة، ثم أجازه الشيخ بالقراءات العشر وما تجوز له روايته، وأقام هناك أربع سنوات، ثم رجع إلى وطنه دمشق الشام سنة سبع وخمسين، فأقبل الناس عليه بالقراءة جمعاً وغيره، واشتهر أمره، وارتفع ذكره، وعم نفعه الخاص والعام، وانفرد بهذا العلم في جميع الشام، ثم هاجر إلى مكة سنة خمس وستين بعد المائتين والألف، وأقام بها ثلاث عشرة سنة، مشتغلاً بالإفادة والتعليم، وانتفع به هناك خلق كثير ثم رجع إلى وطنه سنة سبع وسبعين بعد المائتين والألف، ولم يزل على ما كان عليه من إفادة الناس وتعليمهم، مع حسن المفاكهة وجميل المحاضرة وتأنيس الجليس بكل أمر نفيس، ويغلب عليه الخضوع والسكينة والخشوع وتلاوة القرآن، في غالب الأحيان، وله رسالة في التجويد سماه اللطائف البهية، وله نظم في بعض قواعد من فن القراءات. وبالجملة فهو فريد دهره، ووحيد عصره، أنجب تلامذة فضلاء، لهم في فن التجويد والقراءات اليد البيضاء، بعد أن كاد هذا الفن يعدم من الشام، فكثر القارئون في زمنه على أتم مرام، غير أنه كان يغلب عليه في بعض الأيام السوداء فلا يحب الاجتماع بالناس، وأما في وقت سروره فإنه خدن جليسٌ كأن خلق من إيناس، وقد حفظت عليه ولله الحمد شريف القرآن، ثم أخذت تجويده عنه بتمام الإتقان، توفي رحمه الله سنة ألف وثلاثمائة وسبع