فيه من إنشائه، يعرب عن فضله ورفعة قدره بين أمثاله وقرنائه، قد اجتمعت به في الأزهر سنة ثمانين ومائتين وألف فدعا لي وأجازني بما تجوز له روايته عن مشايخه، غير أني لم أجتمع به مرة ثانية، لأنه كان منحرف المزاج، ومشتغلاً في أغلب الأوقات بأخذ العلاج، وكان الأزهر الشريف فارغاً من الناس فلذلك كان خروجه إلى الجامع قليلاً، لأن الطلبة وأكثر العلماء كانوا في مولد السيد البدوي والدروس في الأزهر مرفوعة، وكان الناس يومئذ في كرب شديد وهم عظيم، بسبب وقوع الريح الأصفر عندهمن ومما كتبه المترجم المرقوم إلى السيد عبد الهادي بن السيد رضوان نجا الأبياري من مصر حينما كان المومى إليه مسافراً منها، وغائباً عنها فقال:
لقد كمل الرحمن وصفك بالعلا ... وما شين شيء من كمالك بالنقص
ومن جمع الآفاق في العين قادر ... على جمع أشتات الفضائل في شخص
حلت منا أحرف المحبة محل الزلال من الصادي، وفوضنا الأمر في تمتعنا قريباً بعودة العبد الجليل لربه الهادي، وقد أتحفنا من حضرة أمير الكلام بدر منثور، وأشرقت منه المودة في ليالي السطور، فسبحان من أودعك سراً أنت به العلم المغرد بين الملا، تحدث بأعذب منطق " ما ودعك ربك وما قلى ":
ويشهد الله وحسبي به ... أني إلى مجدك مشتاق
فلله مزاياك التي لا تبعث إلا على مزيد الاشتياق، ومكارمك التي قضت لك بالتفوق على الأقران بالاتفاق، ولقد شق علينا بعدك مشقة كبرى، وحرماننا من أنسك الذي يقوم مقام الراح للأرواح سكراً، وإني لا أعجب ممن جهل عظيم قدرك فعاداك، ونقل عنك ما لم تتفوه به قط فاك، فإنه حسد ومثلك من يحسد، والحسد لا تهمد ناره ولا تخمد، إنما أعجب من