عبد القادر الجزائري. وله من النظم والنثر، ما يزري بعقود اللؤلؤ والدر، ومن كلماته الرقيقة، التي هي الخمر الحلال على الحقيقة، مقامته التي أنشأها في المفاخرة بين الشمس والقمر، ولله درها من مقامة هي أرق من نسيم الصبا في السحر ونصها: حدثنا يسار بن حازم، عن فتح الله أبي المكارم، قال: رويت عن الورقاء بسندها عن العنقاء، قالت نشرت جناح الهمة، وطرت في فضاء الحكمة، ثم عرجت على الرفارف، إلى عالم اللطائف، فلم أزل أخترق حجاباً بعد حجاب، وأستفتح باباً بعد باب، إلى أن وصلت مواطىء الأنوار، وحصلت بمواطن الأسرار، فلما مرحت في مغانيها، وانشرحت بمعانيها، جلت بأعلى مجالي، في وجوه تلك المجالي، فرأيت في مرايا العجائب، ومزايا الغرائب، مجلساً من مجالس السمر، جمع الشمس والقمر، وهما متقابلان في النظر، في ليلة أربعة عشر، فألفت منهما الحديث والنظرة، ودلفت لتلك الحضرة، ثم بادرت بالتسليم، وحييت بالتعظيم، فقالا مرحباً وأهلاً فلقد صادف الغريب أهلاً، ثم أجلساني على موائد الفوائد، وآنساني بفرائد العوائد، ثم شرعا يتناجيان، وقد برعا بسحر البيان، فعاينت ما أخذ بمجامع قلبي، واستولى على عقلي ولبي، من طرائف ألفاظ، أسحر من الألحاظ، وظرائف معاني، هي نزهة كل معاني، فما أحلى ثمر تلك الفكاهة، وما أجلى ذاك السحر والنباهة، وما أرشق هاتيك الفقر، المزرية باللآلىء والدرر، وما آنق تلك الأسجاع، الممتزجة بالطباع والأسماع، لقد رقت وراقت، ودقت وفاقت:
كأن سامعها مذ مال من طرب ... بين الرياض وبين الكأس والوتر
ثم إنهما لم يزالا في منافثة أطيب من العناق للمشتاق، ومحادثة أطرب من الصبا والبياتي للعشاق. إلى أن جرت بهما سوابح المحاورة، وجرتهما سوانح المحاضرة، فألقتهما من مسالك تلك المسامرة، في مهاوي المهالك ومساوىء المفاخرة، فصعد القمر على المنبر الأزهر، وقال الحمد لله والله