بين قرني شيطان، ففضلي عليك متعين واجب، والعين لا تعلو على الحاجب. فلما وعت الغزالة ما أبداه، ورعت منتهى كلامه ومبتداه، آلت برب المشارق والمغارب، لتجر عنه من كؤوس نقمتها أمر المشارب، ثم قالت إلى متى تتطاول في مذمتي، وحتى متى وأنت غرس نعمتي، فلأجعلنك أيها القمر عبرة لمن اعتبر، ألم أعدك وأنت في ضنا المحو والمحاق، وأعدك للوجود بعد الفنا والاحتراق، وأكسك بعد التجرد حلة البهاء، وأقلدك قلائد التورد والازدهاء، فنبذت شكري وراءك ظهرياً، وتركت بري نسياً منسياً، وجنحت إلى الغرة، واستكبرت استكبار أبي مرة، وقابلتني بكفران النعم، وجازيتني بالعدوان والنقم، فما أراني بعد إحساني الغامر، إلا كمجير عامر. ثم أعرضت عنه ابتذالا، وتمثلت وعينها تتقد اشتعالا
أعلمه الرماية كل يوم ... فلما اشتد ساعده رماني
وكم علمته نظم القوافي ... فلما قال قافية هجاني
ثم نظرت إليه شزراً، وقالت لقد جئت شيئاً نكراً، أتظن أن أحداً بهجائي يعول عليك، أو ينظر دوني بالإقبال إليك، وهو يعلم أن ما فيك من النور ليس من صفاتك، وإنما هو من إشراق سنائي بمرآة ذاتك، وأن ما بدا منك فمعار مني إليك، وكل ناظر بعين الحقيقة فإلي لا إليك، فو الذي أثبتني بالبقا، ومحاك بالفنا، ما ظهر فيك أيها المغرور إلا أنا، فما رأى أحد منك سواي، ولا بدا فيك إلا معناي، ولله در العفيف، إذ أشار لهذا المعنى اللطيف، فقال: