الضعف والقصور، ولم أتشوف بجدي لارتقاء هاتيك القصور، لجمود عين الفطنة القريحة، وخمود نار الروية والقريحة، على أن المطالب تغشي الأذهان، والجواذب تعشي مقلة السليم مما أهان، لاسيما ومقام سيدي أشهر من أن يذكر، والثناء عليه أزهر من أن ينشر، وليس قصدي إلا ترديد ذكراه طربا، وتعديد مزاياه عجبا، وإلا فرفيع مقامه غني عن المقامة، وربيع مقامه محط رحال ذوي الثناء والمقالة،
من كان فوق محل الشمس موضعه ... فليس يرفعه شيء ولا يضع
وبالجملة فشريف شمس نسبتي، أطمعني أن أكون بدري المقام، ولطيف عنقاء محبتي، دعاني لإنشائها مع التحية والسلام. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى تابعيه السادة الكرام، ما ناح الحمام، وفاح شذا مسك الختام.
أقول: إن هذه المقامة لا ريب أنها من بحر معارفه خليج، ومن رياض ألطافه شذرة ذات مقام بهيج، وإن له غيرها من النثر والنظم، ما يحسن التهليل والتكبير عند شروقه، ويشربه السمع فتدب نشوة الحميا في عروقه، فنثره لعمري عقود الجوهر، ونظمه نثر اللآلىء والدرر، وهو ممن لم يزل يصل في اجتهاده الليالي بالأيام، ويعتاض في ازدياده السهر من المنام، حتى بلغ مبلغاً يقصر عنه أمل المتطلع، وحل محلاً تنقطع دونه رغبة المتطمع، ونزل من القلوب بمنزلة الامتزاج بين الماء والراح، وأورد العيون الرياض والقرائح القراح، فللنواظر فيه مرتع، وللخواطر منه مستمتع.
وله الأيادي البيض، في بحر كل كمال طويل أو عريض، فكأن الله براه نوراً مصوراً، وأطلع غصن كماله غضاً منوراً:
رفيع كمال كلما زاد خاطري ... به أملاً زادت محاسنه حسنا
وكيف لا وهو فارس المجال، ورب الروية والارتجال، تؤخذ الفصاحة