أما الحكمة فمما يكتسب بالفكر والنظر في المعلومات وبأن النبي معصوم من الخطأ، والحكيم يجوز عليه الخطأ بل يقع فيه، وأن أحكام النبوات آتية على ما في علم الله، لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، فالأخذ بها من فروض الإيمان، أما آراء الحكماء فليس على الذمم فرض اتباعها إلا من باب ما هو الأولى والأفضل، على شريطة أن لا تخالف الشرع الإلهي، هذا ما ذكره متعلقاً بالنبوة وهو منطبق على ما أجمع عليه علماء الشريعة الإسلامية، إلا أن حسن فهمي أفندي أقام من الحق باطلاً ليصيب غرضه من الانتقام، فأشاع أن الشيخ جمال الدين زعم أن النبوة صنعة، واحتج لتثبيت الإشاعة بأنه
ذكر النبوة في خطاب يتعلق بالصناعة، وهكذا تكون حجج طلاب العنت، ثم أوعز إلى الوعاظ في المساجد أن يذكروا ذلك محفوفاً بالتفنيد والتنديد، فاهتم السيد جمال الدين للمدافعة عن نفسه وإثبات براءته مما رمي به، ورأى أن ذلك لا يكون إلا بمحاكمة شيخ الإسلام، وكيف يكون ذلك، واشتد في طلب المحاكمة وأخذت منه الحدة مبلغها، وأكثرت الجرائد من القول في المسألة، فمنها نصراء للشيخ جمال الدين، ومنها أعوان لشيخ الإسلام، فأشار بعض أصحاب السيد عليه أن يلزم السكون ويغضي على الكريهة، وطول الزمان يتكفل باضمحلال الإشاعات وضعف أثرها، فلم يقبل ولج في طلب المخاصمة، فعظم الأمر، وآل إلى صدور أمر الصدارة إليه بالجلاء عن الآستانة بضعة أشهر حتى تسكن الخواطر ويهدأ الاضطراب، ثم يعود إن شاء، ففارق الآستانة مظلوماً في حقه مغلوباً لحدته، وحمله بعض من كان معه على التحول إلى مصر، فجاء إليها في أول المحرم سنة ثمان وثمانين ومائتين وألف، هذا مجمل أمره في الآستانة، وما ذكره سليم العنجوري في شرح شعره المسمى سحر هاروت مما يخالف ذلك خلط من الباطل لا شائبة للحق فيه. ثم مال السيد جمال الدين إلى مصر على قصد التفرج بما يراه من مناظرها ومظاهرها، ولم تكن له عزيمة على