للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عليه وسلم، لا يعد لنفسه مزية أرفع ولا عزاً أمنع من كونه سلالة ذلك البيت الطاهر، وبالجملة ففضله كعلمه، والكمال لله وحده.

وأما خلقه فهو يمثل لناظره عربياً محضاً من أهالي الحرمين، فكأنما قد حفظت له صورة آبائه الأولين من سكنة الحجاز حماه الله. ربعة في طوله وسط في بنيته، قمحي في لونه عصبي دموي في مزاجه، عظيم الرأس في اعتدال، عريض الجبهة في تناسب، واسع العينين عظيم الأحداق، ضخم الوجنات رحب الصدر، جليل في النظر، هش بش عند اللقاء، قد وفاه الله من كمال خلقه ما ينطبق على كمال خلقه، بقي علينا أن نذكر وصفاً لو سكتنا عنه سئلنا عن إغفاله، وهو أنه كان في مصر يتوسع في إتيان بعض المباحات كالجلوس في المنتزهات العامة، والأماكن المعدة لراحة المسافرين، وتفرج المحزونين، لكن مع غاية الحشمة وكمال الوقار، وكان مجلسه في تلك المواضع لا يخلو من الفوائد العلمية، فكان بعيداً من اللغو منزهاً من اللهو، وكان يوافيه فيها كثير من الأمراء وأرباب المقامات العالية وأهل العلم، وهذا الوصف ربما عده عليه بعض حاسديه، لكن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه، وأي غضاضة على المرء المؤمن في أن يفرج بعض همه بما أباح الله له.

هذا مجمل من أحوال السيد جمال الدين الأفغاني أتينا به دفعاً لما افتراه عليه الجاهلون، ولو سلكنا في تاريخه مسلك التفصيل، لأدى بنا إلى التطويل، والله عنده حسن الصواب، وإليه المرجع والمآب. ولم يزل يتقلب على فرش النعم إلى أن نشبت به أظفار النقم، فقاسى من الأمراض شدة، ومضى عليه وهو على حالته مدة، إلى أن استوفى منيته في خامس شوال عام ألف وثلاثمائة وأربعة عشر من هجرة سيد أهل الكمال، ودفن في الآستانة العلية في المقبرة المعروفة بمقبرة المشايخ، أسكنه الله الجنة، وأوسع له في دار الكرامة المنة.

<<  <   >  >>