بيروت حتى صار إمام محرابها، وخطيب منبر معارفها وآدابها، ومنحة خزانة نبهائها، ونفحة ريحانة ألبائها، فلا ريب أنه مرجع السادة الأفاضل، ومجمع القادة ذوي المكارم والفضائل، ولد أعلى الله مقامه، وجعل الفردوس مسكنه ومقامه، في طرابلس الشام، ذات اللطف الباهر والثغر البسام، سنة ألف ومائتين وأربعين، من هجرة السيد الأمين، وإنه لعمري من عائلة عرفت بالتقى والصلاح، والعبادة والصيانة والنجاح، وبعد أن قرأ القرآن، وأتقن تجويده أي اتقان، سلك منهج العلم بهمة لا تعرف الملل، واجتهاد دل على أن فضله لابد وأن يستوي على عرش الأمل، فقرأ على جملة من الأفراد، والسادة القادة الأمجاد، منهم الشيخ عرابي أفندي الذي هو بكل كمال حري، والشيخ عبد الغني أفندي الرافعي العمري، ونال من الفضائل والعرفان، ما قدمه على الأمثال والأقران، ثم أخذ بالتدريس ونفع البرية، وبث ما فتح عليه به من المواهب اللدنية، ولقد زار دار السعادة العثمانية، ومقر الخلافة الإسلامية، أيام سلطنة ساكن فراديس الجنان، الإمام الأعظم والخليفة الأفخم السلطان عبد المجيد خان؛ فاجتمع بعظمائها، وانتفع بأكابر علمائها، وبعد عوده من دار السعادة، ورجوعه إلى ما كان عليه من الإفادة والاستفادة، استدعاه سعيد بك جنبلاط حاكم مقاطعة الشوفين وقتئذ إلى المختارة من جبل لبنان، واتخذه مستشاراً في الأمور الشرعية المستنبطة من السنة والقرآن، وذلك سنة ألف ومائتين وسبع وستين، ولم يزل بإعزاز وإكرام ومقام مكين، إلى أن بدأ الخلاف بين الدروز والنصارى في جبل لبنان، سنة ست وسبعين، فرحل إلى وطنه طرابلس في الوقت والأوان، وفي سنة سبع وسبعين طلب إلى بيروت وعين نائباً في المحكمة