المذكور واستسماني، ونلنا بعضنا مع بعض في هذا المجلس وبعده غاية الأنس والتهاني، ووجدته عالماً فاضلاً، وشهماً كاملاً، ومدح وأطنب، وأطال وأسهب اه، ولم يزل هذا المترجم في الآستانة معظماً مبجلاً، مكرماً مفضلاً، إلى أن حصل لهم الإذن الشريف بالعود إلى الوطن، مقلدين قلائد الفضل والمنن، وكان يوم السفر من الآستانة يوماً مشهوداً، وموكباً للاجتماع مقصوداًن اجتمع فيه للوداع السادات والأكابر، وذوو المراتب والمفاخر، وكان يوم دخوله إلى الشام يوم اجتماع وسرور، وهناء وحبور، كاد أن يقال ما بقي في الشام إنسان، إلا وقد خرج لاستقبال هذا الحبر المصان، وكانت مدة سفره أربعة أشهر، لأنه بدأ السفر في ثامن رمضان سنة ألف ومائتين وثلاث وستين، وانتهى سفره ثامن محرم الحرام سنة أربع وستين.
وكان رضي الله عنه مواظباً على التهجد وصلاة الفجر في الوقت الأول، وبعد الصلاة له أوراد لا يبرح عنها في سفر ولا حضر، منها أوراد الصباح والمساء الواردة في السنة، فإنه كان يقرأها صباحاً ومساء، ومنها أنه يقرأ في كل يوم من القرآن جزءاً، فيختم في كل ثلاثين يوماً القرآن بتمامه، ومنها قراءة حزب الإمام النووي كل يوم، ومنها قراءة الدور الأعلى وصلاة بن مشيش وقراءة سورة الكهف ومريم وطه ويس والدخان والواقعة وتبارك الملك وعم يتساءلون وسبح اسم ربك الأعلى وإنا أنزلناه والإخلاص والمعوذتين والفاتحة، وله أوراد عقب كل صلاة، وأوراد يقرأها في بعض الأيام، ليس له ملازمة عليها، وكان كثير الزيارة لمشاهد السادات، حسن الخلق يغلب عليه الزهد والإعراض عن الدنيا، وكان إذا تصعب أمر بين الناس من حقوق وغيرها بمجرد حضوره وتكلمه فيه ينقضي أمره على أحسن حال، وذلك لصفاء نيته وحسن سريرته.