ولد في رجب الفرد، وكان الطالع طالع اليمن السعد، وذلك سنة ألف ومائتين وثمان وأربعين، من هجرة سيد الخلق النبي الأمين، ونشأ في حجر والده فلما بلغ سن التمييز، أرسل به إلى المؤدب لتعلم القرآن العزيز، ثم بعد أن أتمه وأتقن آدابه، أخذ في إتقان الخط والكتابة، ثم أكب على الطلب والتحصيل، فلازم الأساتذة ملازمة المدلول الدليل، إلى أن بلغ مطلوبه، وحصل مراده ومرغوبه، من كل علم رفيع، وفن بديع:
همام علا في الورى قدره ... إلى غاية جل أن توصفا
فتىً قد تأثل من دوحة ... سمت في سما المجد والاصطفا
وإن بيني وبينه من الوفاق، ما انعقد على إحكامه الاتفاق، ومن المخاطبات الرقيقة، والمراجعات الأنيقة، ما يزري بلطف النسيم، ويشغل الصب عن الوسيم، ولا يستغرب ما بيننا من كامل المحبة والوداد، لأن هذا الاتفاق موروث عن الآباء والأجداد، وإنه له نظم رقيق، ونثر بديع أنيق، وحافظة تميل إلى الصواب، ولافظة أعذب من عود الشيوخ إلى الشباب، وقد حضر شيوخ عصره، الكائنين في بلدته ومصره، كالشيخ هاشم البعلي، والشيخ عبد الله الحلبي، والشيخ محمد الطنطاوي، وتفقه في مذهب الإمام أبي حنيفة، وجلس في نيابة محاكم الشام الشرعية مدة طويلة، وجلس في محكمة الباب باشكاتب القسمة.
وفي عام ألف وثلاثمائة وأربعة عشر توجه إلى محروسة الآستانة ونزل عند الشهم المحترم أحمد عزت بك بن المرحوم هولو باشا، وكان وقتئذ الكاتب الثاني في المابين ومبلغ الإرادة السلطانية، فاجله واحترمه لصداقة قديمة بينهما، ومكث عنده نحواً من ستة أشهر على الرحب والسعة، واستحصل له في هذه المدة على معاش كل شهر عشر ليرات عثمانية،