في مجمع حافل، فلم يدع مقالاُ لقائل أو ناقل، وكان له من الطاعة والتقوى والعبادة والزهد ما جعله معدوداً من الأوائل، مات رضي الله عنه سنة إحدى عشرة ومائتين وألف، ودفن في المدينة المنورة مدفن أسلافه، وله مؤلفات بديعة، وخدمة عالية لكتب الدين والشريعة، من جملة مؤلفاته كتاب في المشتهر والمفترق، وله مختصر المنهج لشيخ الإسلام القاضي زكريا الأنصاري الشافعي، وقد شرحه أيضاً شرحاً مفيداً، وله كتب كثيرة ورسائل شهيرة، نفعنا الله به آمين، وقد ترجمه صاحب اللآلئ الثمينة، في أعيان المدينة، فقال: ذو بديهة وروية، وسليقة مرضية، كأنها السحاب الرجاف، والغيث الوكاف، ارتدى من المكارم بحلل، وحظي من المحامد بجمل، فغرته كالهلال إضاءة وإشراقاً، ومحياه كالزهر بشاشة والزهر ائتلافاً، وكلامه كالعسجد طلاوة، والشهد حلاوة، والقطر جزالة، ترتشف الأسماع زلاله، وقد برع بنظم حسن المعاني، وبديع المباني، نظماً عليه رونق الفصاحة، وفرند الملاحة، يقطر كالمزن، بودق الحسن، كأنها الشفاه اللعس، أو تفتير العيون النعس، أو الخدود البضة، وقد ازدهرت بالورود الغضة، فمن ذلك النظم الزاهي الزاهر، والشعر الباهي الباهر، وقوله مجيباً بجواب، كأنه في كاس اللطافة حباب، وفي روض الحسن زهر مستطاب:
أغادة من خود حور الجنان ... تتيه إن ماست فتسبي الجَنان
أم بكر فكر من خدور النهى ... زفت بقينات بديع المعان
فاقت على أترابها مذ غدت ... فريدة الحسن رداحا حصان
أم راح ألفاظ حلا رشفها ... من كف ممشوق رطيب البنان