تعين المترجم لمشيخة رواق الفيمة، وبنى له محمد بيك المعروف بالمبدول داراً عظيمة بحارة عابدين، وكانت تأتيه الهدايا من الأمراء وغيرهم، وتزوج ببنت عبد الله الرومي وتصرف في أوقاف أبيها، وكان مع قلة بضاعته في العلم مشاركاً بسبب التداخل في القضايا. وكان كريم النفس جداً يجود وما لديه قليل، مع حسن المعاشرة والبشاشة والتواضع والمواساة للكبير والصغير، والجليل والحقير، وطعامه مبذول للواردين فكل من دخل عليه لابد أن يقدم له طعاماً، ولا يرد طالباً بلا شيء ولو أنه يقترض، ويدفع فوق المأمول، وكان لا يتأخر عن مساعدة ذي حاجة أصلاً، مع كونه نافذ الكلمة، مقبول الشفاعة، ولا يقبل من أحد شيئاً مكافأة على فعله، فمالت إليه القلوب، ووفدت عليه الناس من كل جانب، وطارت شهرته في البلاد والأماكن، وكان إذا نَزَلَ عنده ذو حاجة فلا يخرج من داره حتى تقضى حاجته، فيودعه ويزوده ما يكفيه إلى وطنه.
ولما أخذ الفرنساويون مصر عام ثلاثة عشر، كانت داره ملجأ القاصدين ومنهل الواردين من الناس، لأنه كان عند الفرنساويين من المقدمين على غيره، ولم يزل في ازدياد إلى أن نزل به مرض فأبطل شقه، وعقد لسانه، ولم يزل حتى توفي ليلة الأحد الخامس والعشرين من ذي الحجة سنة أربع وعشرين ومائتين وألف.