إن هذا السيد المترجم، والأستاذ السند المعظم، توجه في شهر شعبان سنة خمس وثمانين ومائتين وألف إلى بيت الله، فقدم مكة المكرمة وجدد عهداً بالركن والحطيم، وتنسم من عرف عرفات وتمتع من أرج ذاك النسيم، ثم شد الرحال إلى زيارة السيد المصطفى قطب دائرة الكمال، فزار المرقد النبوي الأنور ثم مرقد الآل الأطر، وتمتع بزيارة من سلف، ممن لهم كمال الفضل والشرف، ثم عاد إلى محروسة بهوبال المحمية، فاستقبلته خلافة الهند السامية البهية، حيث أنه تزوج بوالية مملكتها وحامية حوزتها، المزرية طلعة كمالها بشرف الشمس والقمر، والمستوية حامية إمارتها على عرش الظفر، تاج الهند المكلل، وطراز المجد الرفيع الأول، نواب شاه جهان بيكم، أحسن الله إليها وتفضل وأنعم، وفسح في حياتها وبارك لها وعليها في أوقاتها.
فجلس هذا المترجم مجلس الخلافة في الأمور الدولية، وقام مقام السيدة المشار إليها في إنفاذ الأوامر السنية، وانتفع الناس بجوده وبذله، وعلمه وحكمه وفضله، وعاد إلى مملكته ماء الشبيبة بعد المشيب، وظهر غصنها الذابل في نضرة الرطيب، وغدا بردها البالي قشيبا، وأصبح جدبها الماحل خصيبا، وارتفعت بها قصور العلم بعدما كانت رسوماً عافية، واستبانت معالم الفضل بعد ما كانت إغفالاً خافية. وذلك لأنه كان ملياً بالعلوم، متضلعاً منها بالمنطوق والمفهوم، مجتهداً في إشاعتها، مجدداً لإذاعتها، مع كونه يرى ذاته الشريفة كآحاد المسلمين، ويتواضع مع كل واحد من الناس لله رب العالمين، ويتحاشى كماله عن الدنيا وزخارفها، ويتجافى بقلبه عن مراقيها ومعاطفها، وأحيا السنن الميتة في ذلك المكان، بالأدلة البيضاء من السنة والفرقان، فهو سيد علماء الهند في زمانه،