القطر سواك، فقال له أنا أريد منصباً لا أعزل منه، فقال له أستحضر لك براءة من السلطان في توجيه الإفتاء عليك وعلى أولادك من بعدك، فقال له ما قصدت هذا، إنما قصدت أنه إذا أراد السلطان عزلي لا قدرة لأحد على إبقائي، وأنا عندي منصب لا يعزلني منه أحد وهو منصب العلم فلا أختار غيره عليه، على أني لا آمن على نفسي، وهذا منصب خطر، وإن عزمتم علي في ذلك يكون سبباً لقطع سبب الوصلة بيني وبينكم. فلما ظهر عليه التغير كثيراً، اضربوا صفحاً عن التكلم معه في هذا الخصوص، وتفرقوا ثم اجتمعوا بعد ذلك، وانعقد إجماعهم مع أهل البلد على وضع صاحب الترجمة، لأمانته وتخرجه في مسائل المذهب وخدمته لأمانة الفتوى مدة طويلة، وجلس لمسائل الناس في مدرسة الجقمقية شمالي جامع بني أمية، ثم بعد مدة قد انتقل إلى مكان آخر قد أعد للإفتاء، ولم يزل مفتياً إلى أن وقعت في الشام حادثة النصارى سنة سبع وسبعين ومائتين وألف، نفي مع من نفي من أعيان الشام وعلمائها إلى قلعة الماغوصة تابع جزيرة قبرص، واستقام بها مدة هو والشيخ عبد الله الحلبي، وأحمد أفندي الحسيبي، وعمر أفندي الغزي، وعبد الله بيك العظم، ومحمد بيك العظمة ومن معهم، واستقاموا بها مدة سنتين فصدرت الإرادة السنية بنقلهم إلى إزمير، واستقاموا بها ثلاث سنين، ثم طلبوا إلى دار الخلافة العلية، فرفع عنهم الحجر وصدر الأمر بإطلاقهم إلى أوطانهم، وأنعم على المترجم بقضاء مولوية ازمير مع نيابة بني غازي تابع طرابلس الغرب، فاستقام هناك سنتين، ثم عاد لدار الخلافة فوجهت عليه نيابة خربوت، فمكث بها سنتين ثم وجه عليه نيابة حماة مرتين، ثم قدم دمشق وبها استقام إلى أن توفي نائب محكمة الباب محمد أفندي الجوخدار سنة ١٢٩٨، وجه والي ولاية سوريا أحمد حمدي باشا النيابة المذكورة على المترجم، وكان القاضي في ذلك الوقت عبد الله أفندي بن مصطفى أفندي حقي، وما زال نائباً في المحكمة المرقومة إلى أن توفي سنة ثلاثمائة وألف، ودفن في مقبرة باب الصغير رحمه الله تعالى.