ولقد أبدى من المحاسن وأبدع، وارتوى من حياض النباهة وتضلع، وسلك مسالك المعارف، وملك منها كل تليد وطارف، بعزم غير ذي كلال، وجد وجد به مكنون در الأفضال. وله الذهن الوقاد، والذكاء الذي أورده على الأدب أحسن إيراد، فمن نظمه الأنيق، وشعره الفائق الرقيق، قوله مادحاً سيدنا علي وأهل البيت ذوي المقام الجلي:
هذا الكتاب المنتقى والمجتبى ... في نعت آل البيت أصحاب العبا
بالقلم الأعلى بيمنى قدرة ... في لوح عزة بنور كتبا
لاح به فرق العلا متوجاً ... مرصعاً مكللاً مذهبا
وكمها مطرزاً مدبجاً ... وعقدها منقحاً مهذبا
فرق معناه وراق لفظه ... يحكى صفا الودق إذا ما انسكبا
ثنا إذا أنشدته له ثنى ال ... وجود عطفاً وتهادى طربا
وهي طويلة بديعة الكلام، رفيعة السبك والنظام. ومن شعره الجليل، حينما زار سيدنا إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم قوله:
زر مقاماً معظماً واتل فيه ... بعض آي من معظم التنزيل
وادخل الباب حاسر الطرف حاف ... إنه باب حطة للدخيل
وأنخ للرجا به يعملات ... موقرات بحمل وزر ثقيل
وتذلل واخضع ولذ وتوسل ... وأقل منه تحت ظل ظليل
والثم الباب بالشفاه ورصع ... أرضع في فرائد التقبيل
وانثر الدمع من شؤون عيون ... مثل نثر الجمان من إكليل
وتبرد واقصد سبيل ارتواء ... فعلى ابن السبيل قصد السبيل
تجد النار تشبه الماء برداً ... وسلاماً يطفي غليل العليل
وعليه الآثار من منجنيق ... تتراءى للعين من بعد ميل
والمياه التي تسيل فيوضا ... وانبعاث النسيم من سلسبيل