للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأدب ولسان بلاغة العرب. قد ضاهى السماكين رفعة وقدراً، وحيرت الأفكار بدائعه فنثره كالنثرة وشعره كالشعرى، ألفاظه رقيقة كخلقه اللطيف ومعانيه حسنة وقدره منيف.

قد اجتمعت به حينما شرف إلى دمشق الشام بعد الألف وثلاثمائة بقليل، وهو من المرض سقيم وعليل، وبديهة النظر تدل على أنه استكمل من السنين، ما بين الستين إلى السبعين، فرأيت شهما جيد الكلام، رفيع المقام، جميل المقابلة، جليل المعاملة، لطيف الموانسة، شريف المجالسة، طلق اللسان، عليه مهابة وجلالة وشان. ولم يطل بقاؤه في الديار الدمشقية، بل بعد مدة قليلة توجه إلى وطنه المدينة المنورة من جهة اسكندرية، وكان قد أسمعني من نظمه ونثره ما يدل على جودة ذهنه واتساع فكره، وقد حفظت شيئاً منه وقيدته، إلا أنني ظللته بعد ذلك وفقدته، ولم أجد عندي سوى ما قرظ به على الكتاب المسمى بعلم الدين، لحضرة العالم الفاضل علي باشا مبارك ناظر الأشغال العمومية المصرية سابقاً، وهو:

ما تنسج الأيدي يبيد وإنما ... يبقى لنا ما تنسج الأقلام

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد فإني تصفحت هذا الكتاب، بل العجب العجاب، الذي نسبت للشيخ علم الدين روايته، وأسندت للسائح الإنكليزي حكايته، فوجدته نزهة للناظر، وسلوة للخاطر، فيه للقلوب ارتياح، وللخواطر نشاط وارتياح، تعرب مبانيه عن لطيف معانيه، وتفصح روائع ألفاظه الرائقة عن بدائع مضامينه الفائقة، ويشهد لمؤلفه بعلو المقدار، ولمصنفه بحسن الاختيار. جمع فيه من غرائب الفنون ونقائض الجد والمجون، الضب والنون، وقرن إلى أسنى المقاصد أشرف المطالب، فصح أنه المرغوب لكل طالب، أظهر فيه ما خفي من أشرار الصنائع، وكشف عن وجه مخدرات العلوم

<<  <   >  >>