الإجماع والاتفاق، وتألفت على محبته القلوب، وزالت عن ذوي مشاهدته الهموم والكروب.
ولد في القايات سنة سبع وعشرين ومائتين وألف، ونشأ في حجر والده وبعد أن حفظ القرآن بالتجويد والإتقان، نقله والده إلى القاهرة، فأخذ العلم بها عن جماعة ذوي معرفة باهرة، منهم النور الشيخ علي البخاري الذي اشتهر في الآفاق علمه وولايته، ومعرفته بكمال الفنون ودرايته، وكان غالب أخذه عنه وجل تردده إليه، وأكثر اعتماده في مهماته عليه، وكان شيخه المرقوم يجله غاية الإجلال، ويقدمه على الواردين في الترحيب والإقبال، ويقول أنه من الأولياء، وسيكون له شأن بين العلماء. وأجازه العلماء ذوو القدر المصون، بما تجوز لهم روايته من جميع الفنون. وأخذ الطريق عن والده فجد واجتهد، وأفيضت عليه الأنوار وجذبته يد العناية والمدد، فلما أحس والده بالرحيل إلى جوار الملك الجليل، أمره بالتلقين والإرشاد والقيام بهداية العباد، فقام بإحياء تلك الشعائر أتم قيام، وبلغ به القاصدون والمريديون أتم مرام، وصار منهلاً عذباً للواردين، وملجأ وغوثاً للقاصدين، وبدراً منيراً للمسترشدين، وبحراً زاخراً للمستفيدين. وكثرت أتباعه كثرة فائقة جداً، وانتشرت مناقبه فلن تستطيع لها عدا. وشاع ذكره وعلا أمره في جميع البقاع، فكاد أن لا يخلو محل من المحلات إلا وله فيها مريدون وأتباع، وانطلقت الألسن بالثناء عليه، وكثرت وفود الوافدين إليه، حتى صارت قرية القايات، أكثر من كثير من المدن بطبقات، وكلهم ينالون منه أنواع الإجلال والكرامة، حتى كل منهم يتمنى أن يجعل في هذه القرية مقامه. وبنى لوالده المقام الأنور، والمسجد الشريف الأبهر، ورتب بالمقام ليلة الجمعة والسبت مقرأ عظيماً يحضره من أهل العلم والقرآن عدد كثير وجم غفير، ولكثرة الزوار لهذا المقام