أقصى البلاد، والاجتهاد في تحصيلها من كل حاضر وباد، والاجتماع بها على كل مرام ومراد، وقد انتهت إليه رئاسة الجامع الأزهر، ومحفل الدين الأبهى الأبهر، وتقلدها في شهر شعبان سنة ثلاث وستين ومائتين وألف ولا غرو أنه ابن بجدتها، وأبو عذرتها، وفي أثناتها قرأ كتاب الفخر الرازي في تفسير القرآن، وحضره أفاضل الجامع الأزهر ذوي الملكة والإتقان، ولكنه لم يكمل بسبب ضعف اعتراه. وقد امتدحه مهنئاً حضرته حين آلت الرئاسة إليه حضرة المعروف بكل كمال، السيد محمد شهاب الدين فقال:
أترى الغمام بدره المنثور ... وشى رياض الورد والمنثور
أم ذي تباشير الصباح تنفست ... وجلت أشعتها دجى الديجور
كبلابل الأفراح أبدت طالعاً ... حظي الزمان بحظه الموفور
هو كوكب إيضاح بهجة ضوئه ... مغن عن المصباح والتنوير
رفعت لواء العز دولة مجده ... وسطت بصارم فضله المشهور
أكرم به حبراً هماماً رحلة ... تطوى القفار لعلمه المنشور
أبدى الطوالع في مطالع فخره ... ولدى المواقف سار بالتيسير
زفت حواشيه ورقت وازدهت ... بمحاسن التحبير والتحرير
هو بر إفضال وبحر فضائل ... صاف عدته شوائب التكدير
كررت مدح حلاه إذ هو سكر ... تقوى الحلاوة فيه بالتكرير
هو روض عرفان تجلى عن جنى ... دان وكم ليس بالمزرور
لا غرو إن طاب الزمان بطيبه ... وشذاه عم الكون بالتعطير
يا دهر أعط القوس باريها فقد ... أفرطت في التقديم والتأخير
هذا مجلي حلبة السبق الذي ... حاز الفخار بسعيه المشكور
هو سيد الأبان سعد أوانه ... فخر الزمان ميسر المعسور