التوجه إلى بيت الله الحرام، وزيارة قبر نبيه عليه أفضل الصلاة وأتم السلام، وكان ذلك الأثناء في البصرة الفيحاء، فتمرض هنالك بعد أن أقعد فرجع إلى مدينة الزوراء دار السلام، يكابد الشدائد والآلام، ثم في شهر رمضان من ذلك العام، عاد أيضاً إلى البصرة وبه من المرض حسرة وأي حسرة، وصار نزيلاً في دار ذي المقام الموفور، الشهم الكامل الشيخ أحمد نور. فلم يزل يثقل به المرض من جهة ما عرض لجوهر حياته من أنواع العرض، إلى حين الزوال من يوم عرفة فتوفاه الله، وكان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله محمد رسول الله. فتأسف عليه الخاص والعام، وقالوا أن الأدب قد طويت أعلامه بعد هذا الهمام، فشيع جنازته أفاضل البصرة وبقلوبهم على فقده حسرة وأي حسرة، وأقيمت الصلاة عليه بعد صلاة العيد، وكان ذلك المشهد دليلاً على أنه ختم له بالختم السعيد، فدفنوه بمقبرة الإمام الحسن البصري خارج قصبة سيدنا الزبير، لا زالت تنهل عليه هواطل الرحمة والخير، فهناك طواه ضريحه، وخفقت بحور شعره وأدبه بعد أن سكن ريحه، وانقض بموته ذلك البنيان، ونطقت أفواه نظمه بعد أن سكن منه اللسان، وانطفا نور ذياك الجنان، فسقط بسقوطه نجم النظم والبيان، وأضحى داثر الأثر خفي العيان.
وكان رحمه الله حسن العقيدة سلفي الأثر، ساكناً بجانب الكرخ من بغداد، علوي النسب المفتخر. وقد ناهز عمره السبعين، فلا زالت رحمة المعين تتولاه كل حين. ومن قصائده الحسان، التي اشتهرت في البلدان:
أتراك تعرف علتي وشفائي ... يا داء قلبي في الهوى ودوائي
ما رق قلبك لي كأن شكايتي ... كانت لمسمع صخرة صماء
والشوق برح بي وزاد شجونه ... بأشد ما ألقى من البرحاء