لم يكتحل طرفه بنوم، ولم يذق الطعام إلا ليلاً قليلاً، ومع ذلك لم ينو الصيام مقاومة لرعونة نفسه، وكان له انتساب أيضاً للطريقة الجشتية والشعارية، ورأى والده في منامه قبل ولادة الشيخ قدس الله سره سيدنا علياً كرم الله وجهه فقال له: سم ولدك باسمي فلما ولد سماه علياً، إلا أن لما بلغ قدس الله سره سن التمييز سمى نفساً تأدباً غلام علي، ورأت أمه في المنام رجلاً جليلاً يقول لها: سميه عبد القادر، قال مترجمه الشيخ عبد الغني المعصومي: ويمكن أن يكون هذا العزيز هو الغوث الجيلاني رضي الله عنه وسيأتي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سماه في المنام عبد الله.
وكان قدس سره في الذكاء آية باهرة، حفظ القرآن المجيد في شهر واحد، وأكب على تحصيل العلوم معقولها ومنقولها، حتى أصبح عالم عصره. وكتب المترجم في بيان أحوال نفسه فقال: إني بعد تحصيل علم الحديث والتفسير تشرفت في أعتاب حضرة الشهيد قدس سره، فبايعني على الطريقة العلية القادرية بيده المباركة، ولقنني الطريقة العلية النقشبندية فتشرفت بالحضور في حلق الذكر، والمراقبة عنده خمس عشرة سنة حتى تفضل على هذا الحقير بالإجازة المطلقة في الإرشاد العام، وقد ترددت أول الأمر في أنه هل يرضى الشيخ عبد القادر الجيلاني رضي الله عنه أن اشتغل في الطريقة النقشبندية أولاً، فرأيته في واقعة جالساً في مكان وحضرة الشاه نقشبند في مكان تلقاءه، فخطر لي حينئذ أن أحضر عند شاه نقشبند فقال الغوث الجيلاني في الحال: المقصود هو الله تعالى فاذهب فلا مضايقة، وكان لي جهة تعيش فتركتها، فاشتدت عرى الفاقة علي فاعتصمت بالتوكل واتخذته سجية، ولم يكن يومئذ عندي غير خلق حصير أفترشها، ولبنة أتوسدها، فبلغ بي الضعف أقصاه، فلفرط ما نالني أغلقت باب حجرتي، وقلت هذا قبري حتى يأتي الله بالفتح أو بأمر من عنده، فما لبثت أن فتح الله تعالى علي يد من لا أعرفه، فمكثت في زاوية القناعة خمسين سنة.