للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الخطاب، وحكمه مدار الحق على مركز الصواب، قد طار صيته وفاق وملأ ذكره الأقطار والآفاق، فلا ريب أنه عين الأعيان، وفرد الدهر والزمان، قد تصدر بعد موت والده للإقراء والتدريس، فما عداه في الشام مرؤوس وهو بمفرده الرئيس، ولم يزل في كل يوم يسمو مقامه إلى العلا وينمو قدره وفخره بين الملا، ويقصده الناس من كل جانب، لقضاء الحوائج ونيل المآرب، فليس من عظيم ولا كبير، ولا حاكم ولا وزير إلا وينقاد لكلامه، ويعترف بعلاه واحترامه.

وكان يقرأ صحيح الإمام البخاري تحت قبة النسر في جامع بني أمية في كل يوم جمعة من شهر رجب وشعبان ورمضان، إلى سنة ألف ومائتين وسبع وسبعين، فوقعت في الشام حادثة النصارى، التي جعلت الناس سكارى وما هم بسكارىن فتبدل النهار على الشام ليلاً، ومال الغم والهم عليها ميلاً، وانفرط نظامها وتشوش قوامها، واختل تشييدها، واعتل رشيدها، وانحطت في فلكها إلى الحضيض، ورقعت في النكد الطويل العريض، وتلا قارئها على أهلها من كبير وصغير، " وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير "، فارتجت من المترجم جوانب ناديه، وارتبطت في عنقه طوال أياديه، وأضحت منازله قد بان عنها الأنس والحبور، وألوت بهجتها عنها ساعد الصبا وكف الدبور، فبكت العيون عليه دماً، وعاد قدره ومقامه عدماً، وصار بعد أن كان مخدوم أحرار الدهر لا يخدمه من كان لهم خدماً، فسحقاً لزمان لم يرع حقوقه، ولم يحفظ عليه شروقه، فنفاه فؤاد باشا المرسل من جانب السلطان لهذه القضية، إلى المغوصا قلعة

<<  <   >  >>