للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما قاربت تخوم يازر خافت أن يفارقها المذكور فأمرت بضرب عنقه فقتل صبرا، وصعدت قلعة إيلال من أمهات قلاع مازندران، فأقامت بها إلى أن فرغ التتار من إجلاء السلطان وإلجائه إلى الجزيرة التي مات بها، وحوصرت إيلال أربعة أشهر، وبنى حولها سور، وعملت على السور أبواب تغلق بالليل وتفتح بالنهار، وهذه (١) عادتهم في حصار القلاع المنيعة إلى أن يخلص الحصار، ثم أُسرت تركان خاتون وحملت إلى جنكيزخان قال أبو الفتح: حدثني بدر الدين هلال الخادم - وكان من جملة خدامها - وذلك حين نجي بنفسه هاربا، أني قلت لها: هلمي نهرب إلى جلال الدين منكبرتي ولد ولدك وفلذة كبدك فإن الأخبار تواترت بشوكته وأتساع مملكته. فقالت: بُعدا وسحقا، وكيف يهون على أن أكون في نعمة ابن جيجاك بعد ولدي أزلاع شاه؟! وجيجاك هي أم جلال الدين. قالت: والأسر عند جنكيزخان بما أنا فيه من الذل والهوان أحب إلى من ذلك. وكانت تبغض جلال الدين بغضا شديدا، وسبب ذلك أن ولدها السلطان خوارزم شاه كان يهوي جارية مغنية اسمها جيجاك، وكانت جميلة غاية الجمال، وكان السلطان يحبها محبة شديدة إلى أن ملكت قياده وسلبت فؤاده، وكان لتركان خاتون والدته قرابة، وكان قصدها أن تزوجه بها فتمنع السلطان من ذلك بسبب جيجاك، فلما سمعت جيجاك أن والدة السلطان قصدت تزويجه بقرابتها منعته نفسها أياما، وبقي السلطان كلما يدخل عليها لم ينل منها مراما، وقالت له في بعض الأيام: إن كنت تحبني وتختارني فاكتب كتابي. فحملته محبتها على أن كتب كتابها وتبع إرادتها ودخل عليها، فحملت بجلال الدين من وقته وساعته، فحصلت البغضة عند ذلك من تركان خاتون لجيجاك المذكورة، ثم لازالت على السلطان حتى تزوج بقرابتها، فحملت منه بأزلاع شاه، فبهذا السبب حصلت بغضتها لجلال الدين بسبب والدته جيجاك والمحبة لأزلاع شاه بسبب قرابتها. قال أبو الفتح: وحكى لي الخادم المذكور فقال: آل أمر تركان خاتون في الأسر من العسر أنها كانت تحضر سماط جنكيزخان فتحمل منه (٢) ما يقوتها أياما، وكان حكمها ينفذ في أكثر أقاليم الأرض، فسبحان المغير من حال إلى حال! وأما صغار أولاد السلطان الذين كانوا معها فقتلوا جميعا إلا أصغرهم سنًا، وهو كماجي شاه، وكانت هي تستأنس به،


(١) "هذا": كذا في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.
(٢) "منها": كذا في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.

<<  <  ج: ص:  >  >>