للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على مصر، وهو صديقك فأشتهي تقوم وتروح إليه فقد سألني عنك مرارا، ثم كتب إلى أخيه كتابا بخطه يجيء ثمانين سطرا، وأخذتها ومضيت إلى سلميَّة، وبلغ الأشرف وصولي فخرج من الخيمة والتقاني، وعاتبني على انقطاعي عنه، وجرى بيني وبينه فصول، وقلت له: المسلمون في ضائقة وإذا أخذ الفرنج الديار المصرية ملكوا إلى حضرموت، وعفوا آثار مكة والمدينة والشام، وأنت تلعب، قم الساعة وارحل. فقال: ارموا الخيام والدهليز وسبقته إلى حمص، والمعظم عينه إلى الطريق، فلما قيل له: قد وصل رَكَبَ فالتقاني، وقال: ما نمت البارحة ولا أكلت اليوم شيئًا. فقلت: غدا بكرة يصبح أخوك [على] (١) حمص. فدعاني، ولما كان الغد أقبلت الأطلاب، وجاء طلب الأشرف، والله ما رأيت أجمل منه ولا أحسن رجالا ولا أكمل عدة، وسرُ المعظم سرورا عظيما، وجلسوا تلك الليلة يتشاورون، فاتفقوا على الدخول في السحر إلى طرابلس، ويشوشوا على الإفرنج، وكانوا على حال، فأنطق الله الأشرف من غير قصد وقال للمعظم: ياخوند عوض ماندخل الساحل ونضعف خيلنا وعساكرنا ونضيع الزمان ماتروح إلى دمياط ونستريح. فقال له المعظم: قول رماة البندق (٢). قال: نعم. فَقبَّل المعظم قدمه، ونام الأشرف، فخرج المعظم من الخيمة كالأسد الضاري يصيح: الرحيل الرحيل إلى دمياط، وما كان يظن أن الأشرف يسمح بذلك، وساق المعظم إلى دمشق (٣). وتبعته العساكر، ونام الأشرف في خيمته إلى قريب الظهر، وانتبه فدخل الحمام فلم يرحول خيمته أحدًا، فقال: وأين العساكر؟ فأخبروه الخبر، فسكت وساق إلى دمشق، فنزل القصر يوم الثلاثاء رابع عشر جمادى الأولى، فأقام إلى سلخ جمادي، وعرض العساكر تحت قلعة دمشق، وكان هو وأخوه المعظم في الطيارة في القلعة [٤٢٢] ثم ساروا إلى مصر غرة جمادى الأخرى (٤).


(١) ما بين حاصرتين إضافة من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٠٨، حيث ينقل عنه العيني.
(٢) رماة البندق: هم أهل الفتوة، الأعضاء في ذلك النظام الذي كان شائعا في عهد الخليفة الناصر، وهو نظام شبيه بالفروسية.
انظر: نهاية الأرب؛ ج ٢٩، ص ١١٥، حاشية (٤).
(٣) إلى هنا توقف العيني عن النقل من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٠٨.
(٤) ورد هذا الحدث بتصرف في الذيل على الروضتين ص ١٢٨ - ص ١٢٩؛ نهاية الأرب، ج ٢٩، ص ١١٤ - ص ١١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>