للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السياسة، ولطف بالرعية، وكان بين يديه نقيب له يعرف بسويد، من أصدق الناس وأعرفهم بتدبير وقائع الولاية، وكان المعتمد دينا ورعا عفيفا نزها، اصطنع عالما عظيما من النساء والرجال، وستر عليهم كبائر الأحوال، وكانت دمشق وأعمالها فى أيام ولايته لها حرمة ظاهرة، وهى حرة طاهرة.

وفى المرآة (١): ومما جرى له أنه كان فى دمشق رجل فاتك، وإلى جانب بيته قوم لهم ولد صغير، فى أذنيه (٢) حلق من ذهب، فاغتاله الرجل يوما فخنقه، وأخذ الحلق من أذنه، وأخرجه فى قفة ودفنه بالباب الصغير (٣)، وفقدته أمه، فاتهمت الرجل، فعذبه المبارز عذابا أليما فلم يقر، فأطلق، وفى قلب المرأة النار من ولدها، فطلقها زوجها، وتزوجت الرجل القاتل وأقامت معه مدة، فقالت له يوما وهى تداعبه: قد مضى الابن وأبوه، وكان منهما ما كان وكان الزوج قد مات، أنت قتلت الصغير. فقال: نعم، وأخذت الحلق ودفنته بالباب الصغير. فقالت: قم فأرنى قبره. فأخذها وخرج بها إلى المقابر، وحفر القبر، فرأت ولدها فلم تتمالك وضربت القاتل بسكين أعدتها له، فشقت بطنه، ودفعته فألقته فى القبر، وجاءت إلى المبارز فحكت له الحكاية فقام وخرج معها إلى القبر، فكشفته له، قال لها: أحسنت والله، ينبغى لنا كلنا أن نشرب لك فتوة.

قال السبط (٤): وكان لداره بابان، الكبير عليه الغلمان والنواب، وباب السر فى زقاق آخر، فكان "البوابون" (٥) إذا مسكوا فى الليل امرأة من بيت معروف وحملوها إليه على حالها، يقول لهم أنزلوا (٦) حتى أقررها، ثم يقول لها: يابنتى، أنت من بيت كبير، وأهلك رجال معروفون، فما الذى جرأك على هذا؟ فتقول: ياسيدى قضاء الله. فيقول لها: ستر الله عليك، ويبعث (٧) معها الخادم من باب السر إلى بيتها، فأقام على هذا نحو من أربعين سنة.


(١) سبط ابن الجوزى، ج ٨، ص ٤٢١ - ص ٤٢٢.
(٢) "أذانه" فى الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.
(٣) الباب الصغير: بدمشق قبلى جامع جراح.
انظر: الدارس فى تاريخ المدارس، ج ١، ص ١٦، ص ١٦٣.
(٤) المرآة، ج ٨، ص ٤٢٢.
(٥) "النواب" كذا فى الأصل، والمثبت من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٢، حيث ينقل عنه العينى.
(٦) "اتركوا" كذا فى الأصل، والمثبت من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٢، حيث ينقل عنه العينى.
(٧) "ونبعث" فى الأصل، والمثبت من مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٢، حيث ينقل عنه العينى.

<<  <  ج: ص:  >  >>