للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جرف كائن في المعركة (١) فأتاه إيلان يرغو مشنعا وقال: قد تمنينا دهرا أن نرزق فيهم يومًا أبيض يذهب فيه غيظ قلوبنا. وفي هذه الليلة تقطع التتار مسيرة يومين، فندم على فواتهم حيث لا تغنى الندامة، وكان التتار لما رأوا (٢) سواد الليل تجرد شجعانهم وكمنوا حتى عبر جيش السلطان بعد غروب الشمس، فخرج الكمين كالنار، فضربوا الميمنة والقلب، فلم تكن إلا حملة واحدة حتى زلت الأقدام عن مقارها، وثبت الخانات والأمراء أصحاب الميسرة وفاء بالأيمان، فقتلوا ولم يسلم منهم إلا ثلاثة وهم: كوج تكين بهلوان، والحاجب الخاص خان بردي، وأودك أمير آخور، ووقف أخش ملك يقاتل إلى أن استشهد، واستشهد ألب خان وأرتوخان وكحيوقة خان وقزلق خان، ومنكلي بك طاين، وأسر علائي الدُيلة أتان خان صاحب يزد (٣)، وأخذه واحد من المرتدة فأعطاه صدرًا من المال كان معه فأطلقه، ووقع في ليلته في بئر فمات، ووقف السلطان جلال الدين في القلب وقد تبدد نظامه، وأحاط به العدو من كل صوب، ولم يبق معه إلا أربع عشرة نفسًا من خواص مماليكه، وحمل على التتار فأزاحهم عن الطريق، ونجي بنفسه وتفرقت العساكر المنهزمة، فمنهم من وقع إلى فارس، ومنهم إلى كرمان وإلى أذربيجان، ولما عاين اللعين باينال مقدم التتار ما قد جرى منه أعجبته فروسيته، فحرك المقَرعة وراءه، وقال: سلمت حين سقت. وعادت ميمنة السلطان بعد يومين من جهة قاشان معتقدين أن السلطان بأصفهان، وتفرقت عساكر التتار أيضا، وخفى أمر جلال الدين ثمانية أيام، فلا يدري أميت هو أم حي، وهموا فيمن يقوم بالأمر بعده، وهمت عامة أصفهان بمد الأيادي إلى (٤) حريم الأصفهانية الخوارزمية وأموالهم، واستمهلهم القاضى إلى العيد ربما يتحقق حال السلطان (٥).

قال أبو الفتح: وكان المصاف يوم الثاني والعشرين من رمضان سنة خمس وعشرين وستمائة، وكان الأتابك يغان طايسي لم يخرج من أصفهان يوم المصاف لمرضه، فاتفق


(١) [ونزل على حافة النهر جرف] كذا في الأصل، والمثبت من سيرة منكبرتي، ص ٢٣٥.
(٢) "روا" كذا في الأصل، والصحيح ما أثبتناه لاستقامة المعني.
(٣) يزد: مدينة متوسطة بين نيسابور وشيراز وأصبهان، معدودة في أعمال فارس.
انظر: معجم البلدان، ج ٤، ص ١٠١٧.
(٤) "إلا" كذا في الأصل، والمثبت من سيرة منكبرتي، ص ٢٣٧، لاستقامة المعني.
(٥) ورد هذا الخبر بتصرف في سيرة منكبرتي، ص ٢٣٢ - ص ٢٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>