للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على قتلك، إلا أني كنت أنتظر ورود الأمر بإمضاء العزيمة فيك، فرمي شرف الملك حين سمع كلامة الفرجية (١) من ظهره وقعد بينهم بالقميص، وقال: ما فعلت أنا؟ وما يريد علاء الدين مني وأنا مملوكه كما أنا مملوك السلطان؟ وهأنا بين أيديكم فافعلوا ما شئتم، وبالغ في التذلل جدا وبلغ جلال الدين ذلك، فغضب عليه وأنكر تذلله، وسير إليه من خواصه من ألزمه بإحراق هؤلاء الخمسة على باب خيمته، فاستعفي من ذلك فلم يعف، فأمر على كره منه، فأوقدت على باب خيمته نار عظيمة، ورمى أولئك الخمسة فيها فكانوا يحترقون، ويقولون: نحن قرابين المولى علاء الدين إلى أن أحرقوا، وقتل جلال الدين كمال الدين مقدم الجاوشية لاستخدامه الفداوية، لأنه كان أولى الناس بالاحتزاز من ذلك، ورحل من هناك صوب العراق، وتخلف الوزير شرف الملك بأذربيجان. قال أبو الفتح: وتخلفت أنا معه فبينما نحن ببرذعة (٢) إذ ورد رسول من ألموت بعد أيام يلقب بالصلاح، واجتمع بالوزير وقال له: إنك أحرقت خمسة منا وهم الفداوية، فإن أردت سلامتك أدِّعن كل واحد منهم عشرة آلاف دينار دية، فها له ما سمع وضعف قلبه، فأكرم هذا الرسول وأنعم عليه بإنعام وافر. قال أبو الفتح: وأمرني فكتبت لهم توقيعا ديوانيا بإسقاط عشرة آلاف دينار مستمرة في كل سنة مما تقرر حملها إلى الخزانة السلطانية، وهي ثلاثون ألف دينار كما ذكرناه عن قريب، وعلم الوزير على التوقيع (٣). وفي تاريخ بيبرس: وفي هذه السنة وصل ابن الأتابك المسمي خاموش، وكان أصم أبكم يفهم ويستفهم بالإشارات، ولا يقدر على تفهمه إلا رجل واحد قد رباه، وكان أبوه قد زوجه بصاحبة زوين دُرْ (٤) وهي من حفدة الأتابك علاء الدين كراية صاحب مراغة، فلما وصل السلطان إلى كنجة منصرفه من خلاط قدم الملك خاموش سمي به لعدم قدرته على النطق، فأحضر في جملة تقادمه حياصة (٥) كيكاوس ملك الفرس، وفيها عدة جواهر


(١) الفرجية: من ملابس القضاء والعلماء والأعيان والوزراء، وكانت تلبس فوق الثياب وتكون مفرجة من قدامه من أعلاها إلى أسفلها مزررة بالأزرار أما ما دونهم فكانوا يلبسون الفرجية مفرجة من الخلف.
انظر: صبح الأعشي، ج ٤، ص ٤٣ - ص ٤٣.
(٢) برذعة: بلد في أقصى أذربيجان، وهي مدينة أران. انظر: معجم البلدان، ج ١، ص ٥٥٨.
(٣) وردت هذه الأحداث بتصرف في الكامل، ج ١٢، ص ٤٧٠؛ سيرة منكبرني، ص ٢٢٨ - ص ٢٣١؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٦،
(٤) "روبين دز" في سيرة منكبوتي، وهي إحدى القلاع القريبة من مدينة أردويل. انظر: سيرة منكبرتي، ص ٢٢٢، حاشية (٢).
(٥) حياصة: هو حزام العسكريين الذي يسمى "المنطقة" ويوضع فيه السيوف والسكاكين، وكان يصنع من معدن ثمين أفخمها ما كان من الفضة المطلية بالذهب، وصنعت أحيانا من الذهب الخالص المرصع بحجر اليشم.
انظر: ماير، الملابس المملوكية، ص ٤٧ - ٥٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>