للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في عكا أصحاب أخبار، وأكثرهم نساء الخيالة، وكانت طاقاتهن في قبالة الكَرْمَل، فإذا عزم الفرنج على الغارة فتحت المرأة الطاقة، فإن كان يخرج مائة فارس أوقدت المرأة شمعة واحدة، وإن كانوا مائتين شمعتين، وإن كانوا يريدون قصد حوران أو ناحية دمشق أشارت إلى تلك الناحية، وكذا إلى نابلس، وكان قد ضيق على الفرنج الطريق، إذا قصد وجهة سبق إليها بعسكره، وكان يعطى النساء والجواسيس في كل فتح جملة كثيرة.

قال السبط (١): وكان المعظم قد أمر الفقهاء أن يجردوا له مذهب أبي حنيفة دون صاحبيه (٢)، فجردوا له المذهب في عشر مجلدات وسماه التذكرة، فكان لا يفارقه سفرًا وحضرًا، يطالعه دائما، فكتب على ظهر كل مجلد: أنهاه حفظا عيسي بن أبي بكر بن أيوب فقلت له: ربما يؤخذ هذا عليك؛ لأن أكبر مدرس في الشام يحفظ القدوري (٣) مع تفرغه، وأنت مشغول بتدبير الممالك تكتب بخطك على عشر مجلدات إنك قد حفظتها. فقال: ليس الاعتبار بالألفاظ وإنما الاعتبار بالمعاني، بسم الله سلوني عن جميع مسأئلها، فإن قصرت كان الصحيح معكم، وإلا فسلموا إلى ما قلت.

وفي تاريخ بيبرس: وكان شديد البأس، وكان أخوه الكامل يخافه ويداريه، وهو أيضا كان يداري أخاه الكامل، ويخطب له على منابر بلاده، ولا يذكر اسمه معه، ويضرب السكة باسمه، ويداري أخاه الأشرف، ويؤلب عليه جلال الدين خوارزم شاه في الباطن، وكان مع شهامته وعظم هيبته قليل التكلف جدًا، لايركب بالسناجق السلطانية في غالب أوقاته، بل يركب في جمع قليل، وعليه قباء (٤) أبيض وكلوته صفراء بلا شاش، ويتخرق الأسواق ولا يُطَرَّق بين يديه، ولقد زار البيت المقدس، ودخل الجامع الأقصى، وكان الرجال والنساء والصبيان يزاحمونه ولا يردهم أحد عنه، ولما كثر منه هذا ضربت به الأمثال فكان الإنسان إذا فعل فعلا لا تكلف فيه قيل: قد فعل فعلا [٥٤] معظميا (٥).


(١) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٤٢٦.
(٢) يقصد بذلك أن يُجددوا آراء أبي حنيفة وحده دون آراء صاحبيه محمد وأبي يوسف، أي يجمعوها وحدها في مؤلف.
انظر: نهاية الأرب، ج ٢٩، ص ١٤٦، حاشية (٢).
(٣) اسم كتاب مشهور من موجزات الفقه على المذهب الحنفي.
انظر: نهاية الأرب، ج ٢٩، ص ١٤٦.
(٤) قباء: جمعها أقبية وهو ثوب له أكمام ضيفة.
انظر: ماير، الملابس المملوكية، ص ٢٥.
(٥) لمعرفة المزيد من المعلومات عن هذه الأحداث.
انظر: مفرج الكروب، ج ٤، ص ٢٠٩ - ص ٢١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>