للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثلاثة أشهر والباقي للحرب والحكم، وكان يضرب الحلقة يكون ما بين طرفيها ثلاثة أشهر، ثم تتضايق فيجتمع فيها من أنواع الحيوانات شيء كثير لا يحد كثرة (١).

وذكر الجويني طرفا كبيرا من أخبار جنكيزخان ومن مكارمة التي كان يفعلها بسجيته، وما أداه إليه عقله، وإن كان مشركا بالله تعالى، يعبد معه غيره، وقد قتل من الخلائق ما لا يعلم عدده إلا الله الذي خلقهم، ولكن كانت البُدَاءه من السلطان خوارزم شاه، حيث قتل تُجَّاره، وأخذ أموالهم على ما ذكرناه، ومما ذكره عن كرمه أنه قدم له بعض الفلاحين وهو في الصيد ثلاث بطيخات، فلم يكن عنده أحد من الخازندارية (٢)، فقال لزوجته الخاتون (٣): أعطيه هذين القرطين الذين في أذنيك، وكانت فيهما جوهرتان نفيستان جدا، فشحت المرأة بهما، وقالت: أنظره إلى غد. فقال: إنه يبيت هذه الليلة مقلقل الخاطر، وربما لا يُحَصَّل له [شيء] (٤) من بعد هذا، وإن هذين لا يمكن أحد (٥) إذا اشتراهما إلا جاء بهما إليك، فانتزعتهما فدفعتهما إلى ذلك الفلاح، فطار عقله بهما، وذهب بهما فباعهما لبعض التجار بألف دينار، ولم يعرف قيمتهما، فحملهما التاجر إلى الملك، فردهما على زوجته، ثم أنشد الجويني عند ذلك وقال:

ومن قال إن البحر والقطرَ أشبها … نداهُ فقد أثنى على البحر والقَطْرَ

قال: واجتاز يوما في سوق فرأى عند بقال عتابا فأعجبه لونه، ومالت نفسه إليه، فأمر الحاجب أن يشتري منه بيالس (٦) فاشترى الحاجب منه بربع بالس، فلما وضعه بين يديه أعجبه، وقال: هذا كله ببالس. فقال: وبقي منه هذا. فأشار إلى ما بقي معه (٧) من


(١) وردت هذه الأحداث باختصار في سيرة منكبرتي، ص ١٢، حاشية (١)؛ مفرج الكروب، ج ٤، ص ٣٦ - ٣٧؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ١٢٧ - ١٢٨.
(٢) الخازندارية: مفردها "الخازن" أو "الخازندار" وهي وظيفة يشرف فيها الخازن على ديوان لأموال الدولة يساعده موظفون مختصون بتسجيل الوارد والمنصرف من الأموال.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٥٨، حاشية (١).
(٣) الخاتون: هي السيدة عريقة الأصل، وجمعها "خاتونات".
انظر: محمد التونجي، المعجم الذهبي، ج ١، ص ٢٣٠، بيروت ١٩٨٠ م.
(٤) ما بين حاصرتين إضافة من البداية والنهاية، لاستقامة المعني، ج ١٣، ص ١٢٩.
(٥) "أحدا" كذا في الأصل، والصحيح لغة ما أثبتناه.
(٦) بالس: وهو البلس، وربما يكون المقصود به الفَلْس وهي أقل وحدات النقود، وهي التي تصنع من نحاس، وصارت قيمة الفلس إذ ذاك ١/ ١٦ من الدرهم الفضة. نهاية الأرب، ج ٢٩، ص ١٣١، حاشية (١).
(٧) "بعده" كذا في الأصل، والصحيح ما أثبتناه لاستقامة المعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>