للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أخذ بغداد أسقط عن الخطبة اسم الخليفة بعامة ممالكه، ولما خاطبه سعد الدين (١) بذلك أمر بإعادة الخطبة باسم الخليفة المستنصر (٢) بالله في سائر ممالكهـ. قال أبو الفتح: فأمرني السلطان بكتابة تذكرة إلى المواقف الشريفة مشتملة على عدة فصول، وكان آخر الفصول إحضار الحاجب الخاص ليبدى إليه مافي خاطره. قال أبو الفتح: لما جاء الحاجب الخاص من عند الخليفة حدثني بأن السلطان وصاني بأني إذا حضرت الديوان لا أقبل يد الوزير مؤيد (٣) الدين القُمِّي، ولايوفه حق التعظيم لأمور كان ينقمها عليه. قال: ففعلت ذلك امتثالا لأمره. قال: فلما مضت أيام فإذا بحراقة (٤) وصلت إلى منزلي بحافة دجلة، وإذا سعد الدين بن الحاجب قد دخل، وقال: أستعد لخدمة أمير المؤمنين فركبت الحراقة، وسقنا إلى أن وصلنا إلى باب كبير فدخلت، وتأخر سعد الدين، ولم يتعد، فقلت: هل لا تدخل معي؟ فقال: ومامنا إلا له مقام معلوم، وكان خلف الباب خادم، فأوصلني إلى باب آخر، ودق الباب ففتح، ودخلت، وإذا بخادم شيخ جالس على دكة، وبين يديه مصحف شريف وشمعة، فأجلسني وترحب بي، إلى أن جاء خادم آخر أبيض حسن الصورة، ولاطفنى بالعجمي، ثم أخذ بيدي ووصاني، فقال لي: انظر تحضر بين يدي من هو؟ واستعمل حسن الأدب فقلت: لا تستجهلني، وإن كنت رجلا تركيا. فلما طلعنا الدرجة، وصافح عينى الستر (٥) الأسود قبلت الأرض قبل أن ينبهني عليه، فأثنى عليَّ الخادم، ورأيت الوزير واقفا حذاء ستارة مُرْخاة، فجاء خادم آخر، ورفع الستارة، فمشيت، فإذا أمير المؤمنين جالس على سرير، فكلم الوزير بلغة عربية، فتقدم إلىَّ خطوات، وأشار إلىَّ بالوقوف حيث كان هو أولا، فقبلت الأرض، ثم قال أمير المؤمنين: كيف الجناب العالي الشاهنشاه؟ يعني السلطان.


(١) سعد الدين هو رسول ديوان الخلافة. انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٠٥.
(٢) الخليفة المستنصر بالله هو أمير المؤمنين أبو جعفر المنصور.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٠٥.
(٣) مؤيد الدين القمي: ولد هذا الوزير في مدينة ثم إحدى مدن العراق العجمي، ونشأ في بغداد، وتوفي بها سنة ٦٢٩ هـ، وتولي الوزارة في عهد الخلفاء العباسيين الناصر والظاهر والمستنصر.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٠٥، حاشية (٤).
(٤) حَرَّاقَة: هي مركب حربي قديم كان يستعمل في حمل الأسلحة كالنار الإغريقية وبها مدافع خاصية تقذف النيران، وكانت تستخدم في مصر لحمل الأمراء ورجال الدولة في التنقلات النهرية، وقد حلت محله اليوم المدمرة.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٠٦، حاشية (٢).
(٥) الستر الأسود: هو شعار العباسيين.
انظر: سيرة منكبرتي، ص ٣٠٧، حاشية (١).

<<  <  ج: ص:  >  >>