للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيها كانت فتنة بين التركمان والأكراد ببلاد الجزيرة، والموصل، وديار بكر، وخلاط، والشام، وشهرزور، وأذربيجان، وقتل فيها من الخلق ما لا يحصى، ودامت عدة سنين، وانقطعت الطرق ونهبت الأموال وأريقت الدماء. ثم إن مجاهد الدين قايماز نائب صاحب الموصل، جمع عنده رؤساء الأكراد والتركمان وأصلح بينهم، وخلع عليهم، وانقطعت الفتنة (١).

وفيها دخل سيف الإسلام إلى مكة ومنع من الأذان بحي على خير العمل، وقتل جماعه من العبيد. كانوا يؤذون الناس، وأغلق أمير مكة باب البيت، وصعدوا إلى أبي قبيس، فأرسل إليه وطلب المفتاح من صاحب مكة، فأبى من انفاذه، فقال سيف الإسلام لرسوله: قل لصاحبك إن الله نهانا عن أشياء فارتكبناها، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - "لا تأخذوا المفتاح من بنو شيبة" (٢)، فتأخذه ونستغفر الله تعالى، فبعث إليه المفتاح (٣).

وفيها قسم السلطان صلاح الدين البلاد بين أولاده وأهله برأي القاضي الفاضل، فإنه لما مرض أشاروا عليه بذلك.

وفيها ظهر الخلاف بين الإفرنج وتفرقت كلمتهم. وكان ذلك سببًا لسعادة الإسلام.

وفيها غدر إبرنس الكرك واسمه أرناط، وكان أخبث الإفرنج وأشرّهم، فقطع الطريق على قافلة جاءت من مصر إلى الشام وفيها خلق عظيم ومال كثير، فاستولى على الجميع قتلاً وأسرًا ونهبًا، فأرسل إليه السلطان يوبخه على ما فعل ويقول: أين العهود والمواثيق! رُدَّ ما أخذت. فلم يلتفت وشنّ الغارات على المسلمين وقتل منهم، فنذر السلطان دمه. وأقام السلطان بدمشق يجهز للقاء العدو، واستدعى العساكر من المشرق والمغرب.

وفيها في يوم عاشوراء فرش الرماد في الأسواق وعلقت المسوح، وناح أهل الكرخ، وخرج النساء حاسرات يلطمن وينحن من باب البدرية (٤) إلى باب حجرة الخليفة، والخلع


(١) ورد هذا النص باختصار في النوادر السلطانية، ص ٧١، وقد وردت هذه الفتنة بالتفصيل في الكامل في سنة ٥٨١ هـ، ج ١٠، ص ١٣٦؛ الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ٢٦١ - ص ٢٤٢.
(٢) لم نجد الحديث بهذا اللفظ، وورد في تفسير ابن كثير ج ١ /ص ٥١٥ - ص ٥١٦، طبعة الحلبي - تفسير آية: (إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها) … ثم جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في المسجد فقام إليه على بن أبي طالب ومفتاح الكعبة في يده فقال: يا رسول الله اجمع لنا الحجابة مع السقاية صلى الله عليك. فقال رسول الله: - صلى الله عليه وسلم - أين عثمان بن طلحة؟ فدعي له، فقال له: "هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم وفاء وبر".
(٣) ورد هذا النص بتصرف في مرآة الزمان، ج ٨، ص ٢٦٨؛ الروضتين، ج ٢ ق ١، ص ٢٤٢.
(٤) باب البدرية ببغداد: يقع في السوق الأعظم ويسمى "الحريمي" يعني حريم دار الخلافة وهي قريب من ثلث الجانب الشرقي، وله أبواب كثيرة منها باب البدرية. انظر: صبح الأعشى، ج ٤، ص ٣٢٠، ص ٣٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>