للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم ركب السلطان بعد صلاة العصر يوم الخميس خامس شعبان إلى أن نزل وأتى باثنين، فأمر بقتلهما، وذكر له في وقت السحر أن العدو تحركوا نحو قيسارية وقارب أوائلهم البلد، فرحل إلى تلّ قريب من التلّ الذى كانوا عليه، وضربت الخيام، ومضى السلطان يرتاد الأراضى الكائنة في طريق العدو لينظر أيها تصلح للمصاف، ونزل قريب الظهر، واستدعى أخاه الملك العادل، وعلم الدين سليمان [١٢٠] بن جندر، وأخذ رأيهما. ثم صلى الظهر، وركب للتشوف على العدو وتنسم أخبارهم، وأتاه اثنان منهم قد أُخِذا، فأمر بقتلهما، ثم باثنين آخرين كذلك، وذلك في يوم الجمعة سادس شعبان. وجئ باثنين آخرين في آخر النهار فقتلا أيضاً، ثم لما أصبح نادى الجاووش (١) لعرض أجناد الحلقة (٢) لاغير. فركب إلى جهة العدو، ووقف على تلول مُشرفة على قيسارية، وكان الإفرنج قد وصلوا إليها يوم الجمعة، ولم يزل يعرض هناك إلى أن علا النهار، ثم نزل وأكل شيئاً ثم ركب إلى أخيه وعاد بعد صلاة الظهر، فصلى الظهر ثم أتى بأربعة عشر من الإفرنج وامرأة فرنجّية بينهم أسيرة، وهى بنت فارس مشهور، ومعها أسيرة مسلمة قد أخذتها فأُطلقت المسلمة، ودفع الباقون إلى الزرْدخاناه (٣)، وهؤلاء أوتى بهم من بيروت، أخذوا في مركب من جملة عدد كثير، فقتلوا في نهار السبت سابع شعبان.

ولما كان صبيح يوم الأحد الثامن من شعبان، ركب السلطان على عادته ثم نزل، فجاء من أخبر أن العدوّ على حركة، وأتى ثانى آخر وأخبر أنهم ساروا، فأمر بالكوس فَدُقّ، وركب وركب الناس معه وساروا.


(١) الجاووش: هو الجاويش. وجمعها الجاوشية. ويقال له أيضاً الشاويش. وهى لفظ تركى. وكان الجاويشية في نظام دولة المماليك بمصر أربعة من جند الحلقة، ووظيفتهم السير أمام السلطان أو النائب في مواكبة للنداء وتنبيه المارة. انظر: القلقشندى: صبح الأعشى، جـ ٤، ص ٤٧، ٤٨، ٢٣٩.
(٢) أجناد الحلقة: هم فرقة من الجيوش النظامية وكانت تتكون من محترفى الجندية من مماليك السلاطين السابقين وأولادهم. وهى أقرب الفئات إلى نظام الجيش الثابت في العصور الحديثة ومرتباتها كانت تصرف من ديوان الجيش. وكانت عدتهم قديما أربعة وعشرين ألف جنديًّا.
انظر: خليل بن شاهين الظاهرى: زبدة كشف الممالك، ص ١١٦؛ محمد قنديل البقلى: التعريف بمصطلحات صبح الأعشى، ص ١٦.
(٣) الزردخاناه: دار السلاح، وهى كلمة فارسية مركبة. وهى تشتمل على أنواع السلاح من السيوف والقسى والنشاب والرياح والدروع. وتعني أيضاً السجن المخصص للمجرمين من الأمراء وأصحاب الرواتب. والمعنى الثانى هو المقصود هنا في النص. انظر القلقشندى: صبح الأعشى، جـ ٤، ص ١١؛ Dozy: Supp. Dict. Arab

<<  <  ج: ص:  >  >>