للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضى بهاء الدين (١): وكنتُ في خدمته حتى أتى بمن معه إلى عسكر العدو، فصف الأطلاب حوله، وأمر بقتالهم، وأخرج الجاليش، وكان النشاب بينهم كالمطر، وكان على الفرنج الكبورة (٢) الثخينة والزرديات السابغة المحكمة، بحيث يقع النشاب ولا يؤثر، وهم يرمون بالزَنبورك فتجرح خيول المسلمين.

قال القاضى: ولقد شاهدتهم وينغرز نشابة في ظهر واحد منهم ونشابتان وثلاثة إلى عشرة وأكثر، وهو يسير على هيئته من غير انزعاج. وكانوا قد انقسموا ثلاثة أقسام: الأول الملك العتيق جُفرى وأهل الساحل معه في المقدمة، والإنكتارُ والفرنسيسيّة معه في الوسط، وأصحاب طبرية وطائفة أخرى في الساقة، وفى وسط القوم برج على عجلة كالمنارة عليها علمهم، وسوق الحرب قائمة بين الطائفتين، وهم يسيرون سيراً [رفقاً] (٣)، ومراكبهم تسير في مقابلتهم في البحر إلى أن أتوا المنزل ونزلوا، وكانت منازلهم قريبة لأجل رجالتهم، فإن المستريحين منهم كانوا يحملون أثقالهم وخيمهم على ظهورهم لقلة الظهر بينهم. فانظر إلى هؤلاء الأشقياء وإلى صبرهم على هذه الأعمال من غير أجر ومن غير دنيا ودين، وكان منزلهم ذلك قاطع نهر قيسارية (٤).

ولما كانت صبيحة الاثنين التاسع من شعبان وصل من أخبر أنهم ركبوا سائرين، فركب السلطان أول الصبح وطلب الأطلاب وأخرج من كل طلب جاليشاً، وسار يطلب القوم وهم سائرون على عادتهم ثلاثة أطلاب، ثم لم يزل المسلمون يعكرون عليهم ويحملون عليهم إلى أن أتوا إلى نهر يقال له نهر [١٢١] القصب (٥)، فنزلوا عليه وقد قام قائم الظهيرة. وفى ذلك اليوم قتل من فرسان الإسلام وشجعانهم أياز الطويل من مماليك السلطان، ودفن على تل مشرف على البركة، ونزل السلطان بالثقل على البركة، وهو


(١) انظر: النوادر السلطانية، ص ١٧٩.
(٢) الكبورة: عباءة خشنة بيضاء اللون غالبًا، يلبسها رجال الدين والعسكريون على السواء. انظر: ماير: الملابس المملوكية، ٩٥.
(٣) "رفيعًا" كذا في الأصل والمثبت من النوادر السلطانية، ص ١٧٩ حيث ينقل العينى عنه.
(٤) نهر قيسارية: أحد أفرع نهر الأردن وتعتبر قيسارية نقطة مصبه في البحر المتوسط.
انظر حسين مؤنس: أطلس تاريخ الإسلام، خريطة ١٣٢، ص ٢٦٦.
(٥) نهر القصب: لم نعثر عليه في المصادر التى بين أيدينا.

<<  <  ج: ص:  >  >>