للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سمع المسلمون بوق الفرنج وقد نعق، عَلِمُوا بوصول النجدة، وكانوا نيفًا وخمسين مركباً؛ منها خمسة عشر شينى، فوهب رجل من أهل القلعة نفسه للمسيح وقفز من القلعة إلى الميناء، وكان رملاً فلم يصبه شيء، واشتد عدوًا حتى أتى البحر، فجاء له شينى فأخذه إلى شينى الملك فأخبره بالخبر.

ولما تيقن الملك أن القلعة ما أُخِذَتْ، اندفع يطلب الساحل، وكان أول شينى ألقى من فيه إلى البر شينى الملك، وكان أحمر، وقبته حمراء، وبيرقة أحمر، وكان رنكه (١)، ثم نزل كل من في الشوانى إلى الميناء.

قال القاضى بهاء الدين: هذا كله وأنا شاهد ذلك، وكان تحتى فرس، فَسُقْتُ حتى أتيت إلى السلطان وبين يديه الرسولان، وقد أخذ القلم حتى يكتب لهما الأمان، فعرَّفته في أذنه ما جرى، فامتنع من الكتابة وشغلهم بالحديث، فما كان إلا ساعة حتى فر المسلمون نحو السلطان، فصاح في الناس فركبوا، وقبض على الرسل، وأمر بتأخر الثقل والإسواق إلى يازور، وبقى السلطان جريدة في الليل، وبات في ليلته هناك. وخرج ملك الإنكتار إلى موضع السلطان الذى كان فيه لمضايقة البلد، ثم طلب الحاجب أبا بكر العادلى، وأيبك العزيزى، وسنقر المشطوب، وبدر الدين دلدروم وغيرهم، وكان قد صادقهم فقال لهم: إن هذا السلطان عظيم، وما في الأرض من الإسلام أكبر منه ولا أعظم، كيف رحل عن مكانه بمجرد وصولى، والله ما لبست لأمة (٢) حربى، وليس في رجلى إلا [زربول] (٣) البحر. ثم قال لأبي بكر: "بالله عليك سلم على السلطان وقل له يجيب إلى صلحى، فهذا أمر لابد له في الأخير، وقد هلكت بلادى وراء البحر. وما دوام هذا مصلحة لا لنا ولا لكم". وجاء أبو بكر وعرَّف السلطان بذلك، وكان ذلك في آخر يوم السبت التاسع عشر من رجب. فلما سمع السلطان أحضر أرباب المشورة، وانفصل الحال على كون الجواب: "إنك كنت طلبت الصلح أولا على قاعدة، وكان الحديث في يافا


(١) الرنك: جمعها رنوك، وهو لفظ فارسى معناه اللون، وقد استعمل في مصطلح المؤرخين بمعنى الشعار الذى يتخذه الأمير. انظر: السلوك، جـ ١ ق ٣، ص ٦٧٢، حاشية ٤.
(٢) لأمة: معناها الدرع وقيل السلاح وقيل الدرع الحصينة، سميت لأمة لإحكامها وجودة حلقاتها. انظر: لسان العرب، مادة "لأم".
(٣) "زلبور" في الأصل، والمثبت من النوادر السلطانية، ص ٢٢٧ - ٢٢٨.
والزربول: جمعها زرابيل ويقال زربون والجمع زرابين، كلمة يونانية ومعناه نوع من الحذاء يلبسه العبيد. انظر: مفرج الكروب، جـ ٢، ص ٣٩٨، حاشية ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>