للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعسقلان، والآن فقد خربت عسقلان، وهذه يافا، يكون لك من قيسارية إلى صور". فمضى إليه وعرَّفه ما قال. فردَّه إليه ومعه رسول فرنجى وقال: "يقول الملك: إن قاعدة الفرنج أنه إذا أعطى وأحد الواحد بلدًا صار تابعا له وغلامه، وأنا أطلب منك [هذين] (١) البلدين: يافا وعسقلان، وتكون عساكرهما في خدمتك دائما، وإذا احتجت إلىَّ وصلتُ إليك في أسرع وقت، وخدمتك كما تعلم خدمتى".

وكان جواب السلطان -رحمه الله -: "حيث دخلت هذا المدخل فأنا أجيبك إلى أن نجعل البلدين قسمين؛ أحدهما لك [١٥٢] وهو يافا وما وراءها، والثانى لي وهو عسقلان وما وراءها". ثم سار الرسولان. ورحل السلطان وكان بيازور، ورتب اليزك بها، وأمر بخرابها وخراب بيت دجن. وسار حتى أتى الرملة فخيم بها يوم الأحد العشرين من رجب، ووصل إليه الرسول مع الحاجب أبى بكر، فأمر بإكرامه. وكانت الرسالة الشكر من الملك على إعطائه يافا، وتجديد السؤال في عسقلان، ويقول له: "إن وقع الصلح في هذه الأيام الستة سار إلى بلاده، وإلا احتاج أن يشتى هاهنا". فأجاب السلطان: "أما النزول عن عسقلان فلا سبيل إليه، وأما تشتِيتُه فلا بد منها؛ لأنه قد استولى على هذه البلاد، ويعلم أنه متى غاب عنها أخذت بالضرورة، وإذا سهل عليه إن يشتى هاهنا، وهو بعيد عن أهله ووطنه مسيرة شهرين، وهو شاب في عنفوان شبابه ووقت اقتناص لذاته، ما يسهل علىَّ أن أُشَتى وأُصَيف وأنا في وسط بلادى، وعندى أهلى وأولادى، ويحضر إلى ما أُريده، ومَنْ أريده، وأنا رجل شيخ قد كرهت لذات الدنيا وشبعت منها ونفضتها عنى، والعسكر الذى عندى في الشتاء يكون غير العسكر الذى يكون في الصيف، ومع هذا أنا أعتقد أني في أعظم العبادات، ولا أزال كذلك حتى يعطى الله النصر لمن يشاء".

فلما سمع الرسول ذلك، طلب أن يجتمع بالملك العادل، فأذن له في ذلك، فسار إلى خيمته، وكان قد تأخر بسبب مرض اعتراه على موضع يقال له مارضوان (٢). ثم بلغ السلطان أن عسكر العدو قد رحل من عكا قاصدًا يافا للإنجاد، فجمع أرباب الرأى للمشورة، فوقع الاتفاق على قصدهم جريدة، ويرحل الثقل إلى الجبل، فأمر الثقل بالرحيل في عشية يوم الاثنين الحادى والعشرين من رجب، وسار هو -رحمه الله -


(١) "هاذين" في الأصل. والمثبت هو الصحيح.
(٢) كذا في الأصل، وفى النوادر السلطانية، النوادر ص ٢٢٨ "مارصموال".

<<  <  ج: ص:  >  >>