للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بغداد. وجعل السلطان أهل العاضد في موضع خارج القصر، وجعل أمرهم إلى قراقوش الخادم، وفرق بين النساء والرجال؛ ليكون ذلك أسرع إلى انقراضهم، واستعرض مَنْ بالقصر مِنَ الجواري والعبيد، والعدة والعديد، والطريف والتليد، فأطلق من كان منهم حرًا، وأعتق من رأى إعتاقه، ووهب من أراد هبته، وفرق على الأمراء والأصحاب من نفائس القصر وذخائره شيئًا كثيرًا، وحصل هو على اليتيمات وقطع البلخش والياقوت وقضيب الزمرد، وأطلق البيع بعد ذلك في كل جديد وعتيق، فأقام البيع في القصر مدة عشر سنين.

قال (١): ومن جملة ما باعوا خزانة الكتب، وكانت من عجائب الدنيا.

ويقال إنه لم يكن في جميع بلاد الإسلام دار كتب أعظم من الدار التي بالقاهرة في القصر. ويقال إنها كانت تحتوي على ألفي ألف وستمائة ألف كتاب، وكان فيها من الخطوط المنسوبة أشياء كثيرة. وانقضت تلك الدولة برمتها، وذهبت تلك الأيام بجملتها بعد أن كانوا قد احتووا على البلاد، واستخدموا العباد مائتين وثمانين سنة وكسورًا. [قال] (٢): وحكى أن الشريف الجليس (٣) وهو رجل كان قريبًا من العاضد، يجلس معه ويحدثه، عمل دعوة لشمس الدولة بن أيوب، أخى السلطان، بعد القبض على القصور (٤) وأخذ ما فيها، وانقراض دولتهم.

وغرم هذا الشريف على هذه الدعوة مالًا كثيرًا، وأحضرها أيضا جماعة من أكابر الأمراء، فلما جلسوا على الطعام، قال شمس الدولة لهذا الشريف: حدثني بأعجب ما شاهدته من أمر القوم. قال نعم؛ "طلبنى العاضد يوما وجماعة من الندماء، فلما دخلنا


(١) القول لابن أبي طي، انظر الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥٠٧.
(٢) الإضافة من قول ابن أبي طى في الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥٠٧.
(٣) الشريف الجليس: هو القاضي الجليس أبو المعالي عبد العزيز بن الحباب السعدي. تولى ديوان الإنشاء للخليفة الفائز الفاطمي (٥٤٩ هـ - ٥٥٥ هـ/ ١١٥٤ هـ - ١١٦٠ م)؛ وسمى الجليس لأنه كان يجالس الخلفاء الفاطميين. وهو من نسل بني الأغلب أصحاب إفريقية. توفي سنة ٥٦١ هـ/ ١١٦٦ م، انظر: ابن شاكر: فوات الوفيات، جـ ١ ص ٥٧٧ - ٥٧٩؛ البداية والنهاية، جـ ١٢، ص ٢٥١.
(٤) "القصر" في الأصل والمثبت من الروضتين، جـ ١ ق ٢، ص ٥٠٨. وهو الأولى مع سياق الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>