للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مشهودًا حتى قيل: إنه أفطر جماعة من الناس بسبب شدة الحر وكثرة الزحام (١) وقال: السبط: جلس جدى يوم السبت سابعٍ شهر رمضان تحت تربة الخليفة المجاورة لمعروف الكرخي، وكنت حاضرًا، فأنشد أبياتًا قطع عليها المجلس ولكن:

الله أسأل أن يطول مدتى … وأطال بالإنعام ما في نيتي (٢)

من أبيات ونزل عن المنبر فمرض خمسة (٣) أيام وتوفي ليلة الجمعة المذكورة في داره بقطعنا، وحضر غسله شيخنا ضياء الدين بن سكنه، وضياء الدين بن الخبير وقت السحر، فاجتمع أهل بغداد، وغلقت الأسواق، وجاء أهل المحال وشددنا التابوت بالحبال، وسلمناه إليهم فذهبوا به إلى تحت التربة مكان جلوسه، فصلى عليه ابنه أبو القاسم على اتفاقًا لأن الأعيان لم يقدروا على الوصول إليه، ثم ذهبوا به إلى جامع المنصور فصلوا عليه، وضاق بالناس وكان يومًا مشهودًا (٤)، ونزل في الحفرة والمؤذن يقول: الله أكبر. وحزن الناس عليه حزنًا كبيرًا، وبكوا بكاءً شديدًا، وباتوا عند قبره طول شهر رمضان يختمون الختمات بالشموع والقناديل والجماعة، وزاره في تلك الليلة رجل من أهل الحربية محدث اسمه أحمد بن سليمان ويلقب بالسكر، فرآه في منامه، وهو على منبر من ياقوت مرصع بالجواهر وهو جالس في مقعد صدق، والملائكة جلوس بين يديه، والحق سبحانه وتعالى حاضر يسمع كلامه، قال: وأصبحنا يوم السبت [٢٦٨] وعملنا عزاء وتكلمت فيه، وحضر خلق عظيم، وقام الناصر العلوي الموسوي من مشهد موسى بن جعفر - رضي الله عنهما - فأنشد:

الدهر عن طمع يغر ويخدع … وزخارف الدنيا الدنية تُطمع

وأعنة الآمال يطلقها الرجا … طمعًا وأسياف المنية تُقطع

والمرء مع علم بها متشوف … أبدًا إلى نيل المُنى مُتطلع

يا لاهيًا أمن الحوادث غِرة … تعدو بصفو زمانه تتمتع


(١) نقل العينى هذا الخبر بتصرف من البداية والنهاية، جـ ١٣، ص ٣٠.
(٢) "الله أسأل أن تَطُول مدتي … ولطال بالإنعام ما في نيتي"
كذا في الأصل والتصحيح من سبط ابن الجوزي حيث ينقل عنه، العينى عنه. انظر مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٤٣، وقد ورد هذا البيت في الذيل على الروضتين مع اختلاف في بعض الألفاظ، انظر أبي شامة، الذيل، ص ٢٥.
(٣) ذكر أنه توفي بعد خمسة أيام إلا أن هذا ليس بالشيء الذي يوافق الواقع أو أن عدد الأيام ستة.
(٤) إلى هنا توقف العينى عن النقل من مرآة الزمان، جـ ٨، ص ٣٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>