للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم حكم القاضي بتفسيق عبد السلام، ورمي طيلسانه، وولي ابن الجوزي مدرسة الشيخ عبد القادر، فذكر التدريس بها في ربيع الأول.

ومنها (١) أنه قدم البرهان محمد بن عمر بن مازه البخاري ويلقب بصدر جهان حاجًا إلى بغداد، وتلقاه جميع من ببغداد ما عدا الخليفة والوزير، وأنزل في دار زبيدة على نهر عيسى، وحمل إليه الإقامات والضيافات، وكان معه ثلاثمائة من الفقهاء، وجرى له في حجه ما سنذكره في السنة الآتية إن شاء الله تعالى.

ومنها أنه قال السبط في المرآة (٢): وفي هذه السنة فارقت دمشق قاصدًا إلى حلب وجلست بقاسيون وودعت الناس فلم يتخلف بدمشق إلا اليسير، وامتلأ جامع الجبل بالناس فصاحوا علينا من الشبابيك والأبواب لالالا، يعني قوموا فاخرجوا فخرجنا إلى المصلى، وكان شيخنا تاج الدين الكندي حاضرًا، فلما خرج من الباب رجموه فانكشف رأسه، ووقعت عمامته، فعز عليّ وسألته أن يمضي إلى دمشق، ولا يحضر في المصلى، فامتنع فقال: لا والله حتى يتم المجلس، وتاب في ذلك اليوم زيادة على خمسمائة شاب وقطعوا شعورهم، وكان سيف الدين بن ميرك حاضرًا وجرى الكلام في المغناطيس وأنه يعشق الحديد، قلت: والحباري (٣) يعشق الشمس، ولهذا كلما مالت الشمس إلى جهة مال الحبارى إليها، فصاح شمس الدين بن ميرك كلنا اليوم حباري.

قال: ووصلت إلى حلب في ذي الحجة واجتمعت بالنقاش الحلبي ولقبه تاج الدين واسمه مسعود بن أبي الفضل أبو الفتح، فأنشدني مقطعات من شعره وكتبها لي بخطه. ومولده سنة أربعين وخمسمائة، ومدح الملك الأمجد صاحب بعلبك، وهجي مسعودًا صاحب شيزر ببيتين هما عينا الذم، وسبب ذلك أنه حكى عن نفسه قال: اشتريت من دمشق [٢٩٧] فاكهة بأربعين درهمًا وقوسين بأربعين درهمًا، وقصدت شيزر فنزلت بخان في الربض، وأُخبر مسعود صاحبها بي فاستدعاني، فدخلت عليه وقدمت له الهدية وأنشدته أبياتًا غزلًا ومديحًا، فلما انتهينا أخرج من تحت طراحته خمسة دراهم وقال: أنفق عليك هذه الليلة فطباخنا مريض، فنزلت إلى الخان.


(١) انظر: الكامل، ج ١٠، ص ٣٣١؛ مرآة الزمان، ج ٥، ص ٣٤٤ - ص ٣٩٥؛ الذيل على الروضتين، ص ٥٧.
(٢) مرآة الزمان، ج ٨، ٣٤٥ - ص ٣٤٦.
(٣) الحُبَارَى: طائر يقع على الذكور والأنثى، وجمعها حُباريات، ويقال للحبارى بالفارسية جوز، يضرب بها المثل في البلاهة والحمق. انظر محيط المحيط، ج ١، ص ٣٣٢ مادة "حَبَرَ".

<<  <  ج: ص:  >  >>