فلما كان صبيحة ذلك اليوم جاءني أستاذ داره وقال: الأمير يسلم عليك ويقول لك: كم ثمن الفاكهة والقوسين؟ فقلت: معاذ الله أن أذكر لهما ثمنًا وإنما أهديتهما للأمير. فقال: لابد. فقلت: اشتريتهما من دمشق بثمانين درهمًا، واكتريت لي ولها بغلًا بعشرين درهما، فمضى وعاد ومعه مائة درهم، فقال: هو يعتذر إليك وما في الخزانة شيء. فامتنعت من أخذها وخرجت من شيزر ولم أبت بها. وقال:
ما أليق البخس بمسعودكم … على الورى يا ساكني شيزر
فيا ملوك الأرض هموا به … فإنه والله شيء زري
قال: وعهدي بالنقاش في سنة ثمان وستمائة في الحياة، وقدم دمشق في سنة تسع وستمائة، وأنشد للجماعة قطعًا من قصائده وأفادهم من فرائد فوائده، إلا أنه كان باطنه كالزناد الوقاد، وظاهره كالجليد والجماد، ومن رآه نسبه إلى البلاهة وعدم الذكاء والفقاهه، فإذا أنشد تساقط من ألفاظه مثل الجمان. وقد شاهدته وليس الخبر كالعيان، ولم أقف على تاريخ وفاته.
وذكر أبو شامة (١) من قصائده قطعًا منها:
ما لي سوى حبكم مذهب … ولا إلى غيركم مذهب
ناشدتك الله نسيم الصبا … من أين هذا النفس الطيب
أأودعت برداك وقت الضحى … مكان ألقت عقدها زينب
أم باسمت رياك روض الحمى … وذيلها من فوقه يسحب
فهات أتحفنى بأخبارها … فعهدك اليوم بها أقرب
ومنها:
أي يد عندى وأي مِنَّة … للركب أن بشرني بهنة
صاحوا الرحيل فظلت والها … أنشد قلبي بين عيسهنة
كأنني بالحي قد شدوا العرى … لبيتهم وأرخوا الأعنة
وما سمعت قبل أن ترحلوا … بمطلع الشهب من الأسنة
يا حادي الأظعان رب فرح … أحدثه طيب حد بثهنة
فاسلم وقل للراحلين إن … يكن بين فرفقا بقتيلكن
(١) الذيل على الروضتين، ص ٥٧.