للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسمى المراتب، ولم يبلغ أحد منزلته عنده، ومناقبه أكثر من أن تعد، وفضائله لا تحصى ولا تحد، وكان مع هذه العلوم له شيء من النظم فمن ذلك قوله:

نهاية إقدام العقول عقال … وأكثر سعي العالمين ضلال

وأرواحنا في وحشة من جسومنا … وحاصل دنيانا أذى ووبال

ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا … سوى أن جمعنا فيه قيل وقال

وكم قد رأينا من رجال ودولة … فبادوا جميعًا مسرعين وزالوا

وكم من جبال قد علت شرفاتها … رجال فزالوا والجبال جبال

وكان العلماء يقصدونه من البلاد ويشد إليه الرحال من الأقطار. وذكر فخر الدين في كتابه الذي سماه "تحصيل الحق" أنه اشتغل في علم الأصول على والده ضياء الدين عمر، ووالده على ابن القاسم سليمان بن ناصر الأنصاري، وهو على أيام الحرمين، وهو على الأستاذ أبي إسحاق الإسفرابيني، وهو على الشيخ أبي الحسن الباهلي، وهو على شيخ السنة أبي على بن إسماعيل الأشعري، وهو على أبي على الجبائي أولا، ثم رجع عن مذهبه ونصر مذهب أهل السنة والجماعة.

وأما اشتغاله في المذهب فإنه اشتغل على والده، ووالده على أبي محمد الحسين بن مسعود الفراء البغوي، وهو على القاضي الحسين المروزي، وهو على أبي العباس بن شريح، وهو على أبي القاسم الأنماطى، وهو على أبي إبراهيم المزني، وهو على الإمام الشافعي -رضي الله عنه-. وقال ابن كثير (١): وقد كان فخر الدين معظم عند الملوك الخوارزمية وغيرهم، وبنيت له مدارس كثيرة في بلدان شتى، وملك من الذهب العين ثمانين ألف دينار وغير ذلك من الأمتعة والمراكب والملابس، وكان له خمسون مملوكًا من الترك، وكان يعقد مجلس الوعظ فيحضر عنده الملوك والوزراء والعلماء والأمراء والفقراء والعامة والغوغاء، وكانت له عبادات وأوراد، وقد وقع بينه وبين الكرامية في أوقات شتى، وكان يبغضهم وكانوا يبغضونه، ويبالغ في ذمهم ويبالغون في الحط عليه، وقد ذكرنا طرفًا من ذلك فيما تقدم. وكان مع غزارة علمه وتبحره في فمن الكلام يقول: من التزم مذهب


(١) البداية والنهاية، ج ١٣، ص ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>