للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

همذان يومين أو ثلاثة سقط عليهم من الثلج ما لم يسمع بمثله حتى عطّب الخراكي (١) والخيام واستمر وقوع الثلج ثلاثة أيام بلياليها، فهلكت دوابهم وتلفت أيدى الرجال وأرجلهم وطمع فيهم الأكراد فتخطفوهم، فلم يرجع منهم إلى خوارزم شاه إلا اليسير فتطير من ذلك الطريق وعزم على العود إلى خراسان خوفا من التتار لأنه ظن أنه يقضى حاجته في المدة اليسيرة فخاب ظنه، ورأى البيكار بين يديه طويلا فعزم على العود فولي همذان أميرا من أقاربه من جهة والده تكش يسمى طايْسين، وجعل في البلاد جميعها ابنه زكي الدين غور صانجتي، وجعل معه عماد الملك الساوي متوليًا لأمر دولته، وكان عظيم القدر عنده، وعاد خوارزم شاه إلى خراسان ووصل إلى مرو، وسار إلى ما وراء النهر، ولما قدم نيسابور جلس يوم الجمعة عند المنبر وأمر الخطيب بترك الخطبة للخليفة الناصر وقال: إنه قد مات. وقطع خطبته من مرو وبلخ وبخاري وسرخس وبقي خوارزم وسمرقند وهراة لم تقطع الخطبة منها، لا عن قصد لتركها إلا أن هذه البلاد كانت لا تعارض في أشباه هذا إن أحبوا خطبوا وإن أرادوا قطعوا.

وأما خوارزم شاه فإنه لما عزم على قصد العراق وأظهر للخليفة الناصر ما أظهر من الشقاق وصل إليه من عنده الشيخ شهاب الدين السهروردي رسولا فوعظه وحذره البغي على هذا البيت وكان قد ضرب نوبة ذي القرنين تعاظما، وكان من قبل تضرب له النوب الخمس في أوقات الصلوات الخمس، ففوضها لأولاده يضربونها في الأقاليم التي سماها لهم على أبواب دور السلطنة التي لكل منهم، وكان قد قسم [٣٦٦] المماليك لأولاده فعين خوارزم و خراسان وما زندران لولده قطب الدين أبي المظفر أزلاغ شاه وجعله ولي عهده وسبب تخصيصه بولاية العهد دون أخوته وهو أصغرهما أتباع خوارزم شاه رأي والدته تركان خاتون. وعين غزنه وباميان والغور ونكبايا (٢)، وزمندور (٣)، وما يليها من الهند إلى جلال الدين منكبرى، ولم ير انفصاله عنه فاستناب عنه بها كرز ملك، وعين


(١) الخراكي: جمع خركاة، وهو لفظ فارسي معناه الخيمة الكبيرة، كان يستعملها الملوك والأمراء في الأسفار. وقد ذكر القلقشندي في صبح الأعشى، جـ ٢، ص ١٣٨ وصفًا للخركاة نصه: "الخركاة بيت من خشب مصنوع على هيئة مخصوصة، ويغشى بالجرح ونحوه، تحمل في السفر لتكون في الخيمة للمبيته في الشتاء لوقاية البرد".
انظر أيضا: السلوك، جـ ٢ ق ١، ص ٢٠٧، حاشية (٤).
(٢) وردت في معجم البلدان "بكراباذ" وهي مدينة كبيرة بإقليم سجستان، وقد أشار إليها الأصطخري وابن حوقل باسم "تكي ناباد"، انظر معجم البلدان، جـ ١، ص ٧٠٥؛ بلدان الخلافة، ص ٣٨٦.
(٣) زمنداور: ولاية واسعة بين سجستان والغور، وهي المسمى بالداور. انظر، معجم البلدان، جـ ٢، ص ٩٤٦. وقد وردت في خريطة سجستان الملحقة بكتاب بلدان الخلافة الشرقية، ص ٣٧٢، "زمين داور".

<<  <  ج: ص:  >  >>