للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وضعف أهل دمياط وأكلوا الميتات، وعجز الكامل عن نصرتهم، ووقع فيهم الفناء والوباء، فراسلوا الفرنج على أن يسلموا إليهم البلد ويخرجون منه بأهليهم وأموالهم، واجتمع الأقساء وحلَّفوهم على ذلك، فركبوا في المراكب وزحفوا في البحر والبر، وفتح لهم أهل دمياط الأبواب، فدخلوا ورفعوا أعلامهم على السور [٣٩٤]، وغدروا بأهله ووضعوا فيهم السيف قتلًا وأسرا، وباتوا تلك الليلة في الجامع يفجرون بالنساء ويفضحون البنات، وأخذوا المنبر والمصاحف ورؤوس القتلى وبعثوا بها إلى الخزائن، وجعلوا الجامع كنيسة، وكان أبو الحسن بن قفل بدمياط، فسألوا عنه فقيل: هذا رجل صالح من مشايخ المسلمين تأوي إليه الفقراء، فما تعرضوا له، ووقع على الإسلام كآبة عظيمة، وبكى الكامل والمعظم بكاء شديدا، ثم تأخرت العساكر عن تلك المنزلة، وكان المعظم يقول لي بعد ذلك: لو كان الدعاء يسمع لَسُمعَ دعاء أهل دمياط، فإن الله تعالى قد أخبرنا أنه يستجيب دعانا في عدة مواضع من كتابه، وأما أهل دمياط لما كثر فسقهم وفجورهم سلَّط الله عليهم من انتقم منهم {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً} (١) الآية، ثم قال الكامل للمعظم وقد سقط في يده: قد مات ما ذُبح وجرى المقدور بما هو كائن، وما في بقائك ها هنا فائدة، والمصلحة أن تنزل إلى الشام وتشغل خواطر الفرنج، وتستجلب العساكر من الشرق.

وقال السبط (٢): كتب المعظم إليَّ وأنا بدمشق كتابًا بخطه يقول في أوله أخوه عيسى الكاملي: قد علم الأخ العزيز - وذكر ألقابًا كثيرة. وقال: قد جرى على دمياط ما جرى، وأريد أن تُحرض الناس على الجهاد، وتعرفهم ما جرى على إخوانهم أهل دمياط من الكفرة أهل العناد، وأني كشفت الضِّياع المتعلقة بالشام فوجدتها ألفى قرية، منها ألف وستمائة أملاك لأهلها، وأربع مائة سلطانية، وكم مقدار ما تقوم هذه الأربعمائة من العساكر؟ وأريد أن تخرج الدماشقية ليذبوا عن أملاكهم الأصاغرة بينهم والأكابر، ويكون لقاؤنا وهم في صحبتك إلى نابلس (٣) في وقت سماه. فجلست بجامع دمشق، وقرأت


(١) اقتباس من القرآن الكريم، سورة الإسراء، آية (١٦) وهي: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا}.
(٢) مرآة الزمان، ج ٨، ص ٣٩٧.
(٣) نابلس: مدينة مشهورة بأرض فلسطين، معجم البلدان، ج ٤، ص ٧٣٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>