للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحكى أن رجلا من التتار دخل دارا وفيها مائة رجل فقتلهم واحدًا بعد واحد حتى أفناهم، ولم يمد واحد منهم يده إليه، وكان الواحد منهم يدخل الدرب وفيه جماعة فيقتلهم كلهم وحده. قلت: قد جاء هلاون بعده وفعل بين المسلمين أقبح منه، ثم في آخر الأمر جاء تمرلنك في سنة ثلاث وثمان مائة وأفسد وأخرب وحرق وقتل أكثر من جنكيز خان وغيره؛ لأن تمرلنك دخل الروم والشام والعراق وقتل فيها ما لا يعد ولا يحصى، ثم إن علاء الدين خوارزم شاه لما فرق عساكره في البلاد ودهمته عساكر التتار وأخذوا مدينة أوترار (١) وأفسدوا فيها، رجع خوارزم شاه بالمسلمين إلى بخارى ورتب بها الاستعداد للحصار لعلمه بالعجز عن المواجهة والمقاومة، ورتب فيها عشرين ألف فارس، وجعل في سمرقند خمسين ألفا يحمونها، وقال لهم: إني أسير إلى بلاد خوارزم وخراسان لأجمع العساكر وأعود إليكم، ثم رحل عائدًا فعبر نهر جيحون، فنزل بالقرب من بلخ فعسكر هناك، وأقام ينتظر اجتماع عساكره، [٤٠٢] فساق جنكيزخان إلى بخارى ليحاصرها ويقطع بين السلطان وبين عساكره المتفرقة، فحاصرها ثلاثة أيام، فانهزم عسكر المسلمين، وضعفت قلوب أهل البلد وطلبوا الأمان فأعطاهم أمانا، ففتحوا البلد، وتحصن في القلعة طائفة من الجند، فأمر جنكيزخان المسلمين بأن يحفروا جميعا ويطموا الخندق بالأخشاب والتراب، ففعلوا حتى إن الكفار كانوا يأخذون المنابر والربعات فيلقونها في الخندق، ثم تابعوا الزحف، وكان بها نحو من أربع مائة فارس من المسلمين، فبذلوا جهدهم اثني عشر يومًا، وقاتلوا حتى قتلوا عن آخرهم. فلما فرغ من القلعة أمر بإحضار رؤساء البلد وأمرهم بإحضار موجودهم، فأحضر كل ما عنده، ثم أمرهم بالخروج من البلد مجردين من أموالهم ليس معهم سوى الثياب التي عليهم، ودخل التتار البلد فنهبوه وقتلوا كل من وجدوه فيه، ثم أحاطوا بالمسلمين، فأمر أصحابه أن يقتسموهم، وكان يوما شديدا من بكاء الرجال والنسوان وعجيج الأطفال والولدان، وأخذ كل من استسلم منهم أسيرًا، ومنهم أقوام اختاروا الموت على الأسر فقاتلوا حتى قتلوا. وممن إختار القتل وقاتل حتى قُتل الإمام ركن الدين إمام زاده، والقاضي صدر الدين خان، وألقت التتار في البلد النار، وأحرقوا المساجد والمدارس والربط (٢).


(١) مدينة من بلاد الترك. انظر: الكامل، ج ١٠، ص ٤٠١.
(٢) وردت هذه الأحداث بتصرف في الكامل، ج ١٠، ص ٣٩٩ - ص ٤٠٥؛ البداية والنهاية، ج ١٣، ص ٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>