قال: ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإنه قد جاء ما لا قبل لكم به، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن. قالوا: ويلك وما تغني عنا دارك؟
قال: ومن أغلق بابه فهو آمن .. ومن دخل المسجد فهو آمن.
فتفرق الناس إلى دورهم وإلى المسجد" (١) يطاردهم الموت في كل شبر طاردوا فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه .. ها هو الموت يحمله عشرة آلاف محارب تغص بهم مكة ..
وها هى طرقات مكة تخلو من أهلها الذين طالما نشروا الرعب والتعذيب والاضطهاد فيها .. ها هي طرقات مكة لا يسير فيها إلا مؤمن .. وها هي ساحاتها التي عذب فيها بلال وعمار وخباب تهتز ربيعًا بهم .. وها هو الشرك وأهله يفرون كالفئران إلى مساكنهم وإلى المسجد الحرام .. فقد عزلوا كالطاعون والأوبئة في تلك البيوت.
ها هو أحدهم يحمل متاعه ويتسلل هاربًا نحو آخر معاقل المشركين .. إنه وحشي قاتل حمزة عم النبي - صلى الله عليه وسلم - وحبيبه لم يستطع أن ينعم بحريته التي حصل عليها والتي دفع ثمنها غاليًا جدًا .. ومع ذلك فهو يشعر بجبال مكة تتحول إلى حتف يكاد يطبق على صدره .. ويشعر بفداحة جرمه وكأن هؤلاء العشرة آلاف قد جاءوا للأخذ بثأر حمزة .. لذلك فر وحشى ليجد أبواب الطائف مفتوحة لاستقباله .. لنترك وحشي ونعود إلى الصحابة الذين يعودون إلى بيوتهم ومراتع طفولتهم وبيت ربهم دون قيد أو شرط أو طعنة أو ضربة سوط .. أين أبو جهل وأبو لهب وأمية وعقبة ليشهدوا
(١) سنده صحيح رواه ابن إسحاق ومن طريقه الطبراني ٨ - ٩ حدثني محمَّد بن مسلم الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس وهذا سند صحيح مر معنا تخريجه تحت عنوان فتح مكة وقد تابع ابن إسحاق جعفر بن برقان.