كيف ينقاد اليهود المثقفون إلى نبي من هؤلاء العرب الذين تغلب عليهم الأمية وتتغلغل في نفوسهم الوثنية .. كيف يرضى اليهود بنبي عربي من بني إسماعيل .. ؟ إنه ليس يهوديًا .. ليس من بني إسرائيل (يعقوب) لا ولا حتى من بني إسحاق .. أمر صعب وحقيقة مرة يرفضها اليهود .. إنها تعني في نظرهم أن يبقى اليهود وكتبهم وتاريخهم على الأرفف وفي الخزائن لإفساح المجال لهذا الجديد الذي يحمله محمَّد - صلى الله عليه وسلم - ..
هذه قصة عجيبة تبين لنا سبب قدوم يهود إلى يثرب .. وهي تتفق مع ما ورد قبل قليل في التوراة .. دعونا نستمع إلى رجال تأثروا بالتوراة أكثر مما تأثر بها اليهود أنفسهم .. يقول هؤلاء الرجال:
(إن مما دعانا إلى الإِسلام مع رحمة الله تعالى وهداه لنا: أن كنا نسمع من رجل من اليهود وكنا أهل شرك أصحاب أوثان، وكانوا أهل كتاب عندهم علم ليس لنا، وكانت لا تزال بيننا وبينهم شرور، فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون قالوا لنا:
إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الآن نقتلكم معه قتل عاد وإرم. فكنا كثيرًا ما نسمع ذلك منهم، فلما بعث الله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجبناه حين دعانا إلى الله وعرفنا ما كانوا يتواعدوننا به فبادرناهم إليه فآمنا به وكفروا به، ففينا وفيهم نزلت هذه الآية:{وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ}) (١) إذًا فهم في الحقيقة لا ينتظرون
(١) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق (سيرة ابن كثير ١/ ٢٩١) فقال: حدثني عاصم بن عمر ابن قتادة عن رجال من قومه قالوا: وعاصم تابعي ثقة عالم بالمغازي وقد سمع من هؤلاء الصحابة. .. (التقريب ١/ ٣٨٥).