وتمرّ أيام فينهض جابر من مرضه الذي ألمّ به .. ولئن كان المرض قد غادر جابر .. فإن هناك من تغلغل المرض في جسده ولم يغادره حتى الآن .. في المدينة رجل هاجر إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وحيدًا بعد أن أرغم على مفارقة زوجته وهو في الطريق فقد أرغمه أهلها على تركها والرحيل دونها ودون ابنها .. إنه الصحابي الجليل أبو سلمة الذي يهاجمه المرض بضراوة الآن .. وتنقض على جسده جراحات أحُد .. وحوله أبناؤه وزوجته المجاهدة الصابرة .. ذات الهجرة العسيرة .. والذكريات المريرة .. إنها تبكي الآن وهي تعاني وداع زوجها الحبيب .. إنه لن يرى هذا الجنين الذي يسكن أحشاءها .. لن يداعبه ولن يتمتع بطفولته .. مات أبو سلمة رضي الله عنه .. فبكت أم سلمة وأبناؤها .. لكن مرارة الحزن لم تنس هذه المؤمنة الصابرة نفسها .. لقد صبرت في السابق وها هي الآن تتحامل على جراحها .. تنهض من بين آلامها .. تتوجه نحو النبي - صلى الله عليه وسلم - تسأله ماذا تقول في مصابها الأليم هذا .. تسأله حتى لا تقع في ذنب النواح والاعتراض على قضاء الله وقدره .. تقول أم سلمة رضي الله عنها:
(سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: إذا حضرتم الميت فقولوا خيرًا، فإن الملائكة يؤمِّنون على ما تقولون، فلما مات أبو سلمة قلت: يا رسول الله، كيف أقول؟ قال - صلى الله عليه وسلم -:
قولي: اللهمّ اغفر لنا وله، وأعقبني منه عقبى حسنة).
فدعت أم سلمة بتلك الدعوة .. وارتفعت دعوتها إلى الباري فاستجاب الله .. فـ