للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكان أديبًا شاعرًا مُفلِقًا، كاتبًا بارعًا، كتَبَ عن أبي محمد بن أبي حَفْص بن عبد المؤمِن وغيرِه، وإيّاه أبَّنَ بخاتمةِ القسم الثالثِ (١) من مقصورتِه، وكان قد اختَصّه كثيرًا وحَظِيَ عندَه، وله مصنَّفاتٌ أدَبيّةٌ نافعة ومقاماتٌ بارعة، فمِن مصنَّفاتِه: "المُخصَّص في شَرْح غريبِ الملَخَّص"، و "مثبِّطُ العَجْلان ومُنشِّطُ الكسلان في الأدب" يَقرُبُ حجمُه من ثُلُثَي "أمالي" البغدادي، و"المقصُورةُ" المشارُ إليها، جَعَلَها ثلاثةَ أقسام، الأؤل: في الزُّهد وتأنيبِ النفْس والتنَدُّم على تضييع أيام الشّباب والتضرُّع إلى الله سبحانَه واستغفارِه وما شاكَلَ ذلك، والثاني: مبنيٌّ على حديثه - صلى الله عليه وسلم -: "بُنِي الإسلامُ على خمس"، والثالث: في شَكْوى الزّمان وما مُنِيَ به من بعض الحَسَدة الخُوّان، المتظاهرينَ بصِفاتِ أصفياءِ الإخوان، وتأبينِ مُصطنعِه السيِّد أبي محمدٍ عبد الله بن أبي حَفْص بن عبد المؤمن المذكور. وعُدَّتُها مئةٌ وخمسةٌ وستونَ بيتًا أو نحوُها، وذكَرَ في صَدْرِها أنه نَظَمَها في أسبوع أو شَيْعِهِ من بعض أيام رَمَضان، وأنه أنشَأَها لإبن أخيه ثم شَرَحَها شَرْحًا مُفيدًا بسَطَ القولَ في كثيرٍ من شَرح أبياتِها وأودَعَها فوائدَ غريبة ونُكتًا أدبيّة عجيبة، وسيأتي لهذا المقصورة ذكْرٌ في رَسْم أبي زكريّا بن موسى الِهنْتَاتيِّ - إن شاء اللهُ - لسببٍ اقتضى إيرادُه هنالك. ومن مصنَّفاتِه: "ثَمرَةُ الغُراب في أجناسٍ من التجنيسِ غِرَاب".

وكان جُلَّ عُمُره على خير وفَضْل واستقامةِ حال، حتى مَرَّ ذاتَ يوم بسَكْرانَ طافح فعَيَّرَه بما شاهَدَه من سُوءِ حالِه، فابتُلي بشُرب الخَمْر والانهماكِ فيه، فصار لا يَغُبّ شُربَها ولا يَضحو من سُكرِها، وعلى ذلكَ فقد قال في حالِه ما يدُلُّ على حُسنِ عقيدتِه وصفاءِ سَريرتِه (٢) [مخلّع البسيط]:

شرِبتُها عالمًا بأنّي ... أتيْتُ في شُربِها كبيرهْ [٣٠ ظ]

مُرتَجيًا رحمةً وعَفْوًا ... بحُسنِ مالي من السَّريرهْ


(١) في م ط: "الثاني"، وهو خطأ.
(٢) برنامج الرعيني (١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>