وقال أبو عبد الله بنُ عَسْكَر: كان في أوّل أمرِه يعقِدُ الوثائق، وكان معَ ذلك لا يَفتُرُ عن الدّرسِ والنّظَر.
ويُحكى عنه أنه كان أيامَ الفتنة بمالَقةَ ربّما طُلِبَ بالمَبِيت في السُّور أو نحوِ ذلك مما يُجمَعُ الناسُ إليه، فكان لا يُفارقُ كتابَه ولا يَفتُرُ عن دَرْس دولتِه. ولم يزَلْ على اجتهادِه وهو إمامٌ يُرحَلُ إليه حتى توفِّي رحمه الله، وكان قد وَظَّف على نفسِه وظائفَ من الكُتُب التي كان يحفَظُ يَستظهِرُها حتّى يختِمَها. وقد تقَدَّم في رَسْم أبي الحَكَم الحُسَين بن حَسُّون خَبَرُ أبي عبد الله الشاهد بجِدِّه واجتهادِه أوانَ طلَبِه العِلمَ في شَبِيبتِه، فمَن شاء راجَعَه هنالك.
واستَجْلَبَه المنصُورُ من بني عبدُ المُؤمن سنةَ ثمانينَ إلى مَرّاكُش يَسمَعُ بها عليه، فانتَقلَ إليها وأكرَمَ نُزُلَه، وكان يُجِلّه كثيرًا ويُقرّبُه ويرفَعُ من شأنِه ويوجِب له حقَّه، واستَصْحبَه حين توَجَّه إلى إفريقيّةَ سنةَ [خمسٍ وسبعينَ] وخمس مئةٍ مُباهِيًا به ومُستكثِرًا بمكانِه.
مولدُه بمالَقةَ لتسع خَلَوْن من رجَبِ إحدى عشْرةَ وخمس مئة، وتوفِّي بمَرّاكُشَ عقِبَ صلاةِ العصرِ من يوم الأحَد لاثنتَيْ عشْرةَ ليلةً خَلَتْ من شعبان، وقال ابنُ الزُّبَير: في السابعَ عشَرَ منه، تسعينَ وخمس مئة. ويقال: إنّ المنصُورَ صَلّى عليه داخلَ جامعِه الأعظم في القُبّة الغَرْبيّة القُبْليّة منه، وفي ذلك عندي نَظَر، ودُفن بجَبّانةِ تامراكشتَ داخلَ صُور (١) مَرّاكُش، واحتَفلَ الناسُ لحضور جَنازته وشَهِدوها على طبقاتِهم، وأثنَوْا عليه كثيرًا وأتْبَعوه ذِكْرًا صالحًا جميلًا، وكان أهلَ ذلك، رحمه الله.
٢١٩ - محمدُ بن إبراهيمَ بن خَليفةَ المَخْزوميُّ، قُرطُبيّ.
كان من أهل العِلم والتقَدُّم في العدالة، حيًّا سنةَ إحدى وخمسينَ وأربع مئة.