للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حياتُه الوظيفيّة:

عاش ابن عبد الملك في عصرٍ مُضْطرب على العموم تمخَّض عن زوال دولة الموحِّدين وقيام دولة بني مَرِين، فهو من المخضرَمِينَ الذين عاشوا في العهدَين.

وحين وُلد ابنُ عبد الملك في سنة ٦٣٤ هـ كان الرشيدُ الموحِّد يحاول رَأْبَ الصَّدع وترقيعَ الخَرْق الذي حدَث ثم اتّسع منذ موتِ الناصر سنة ٦٢٠ هـ وحدوثِ أزمة الخلافة الكبرى المشروحة في كُتب التاريخ, وكان من عواقب هذه الأزمة فقدانُ الاستقرار في مَرّاكُش وغيرها ونشوبُ الفتن في كلِّ جهة، وخروج الأندلس وإفريقيّة من يد الموحِّدين، وظهورُ بني مَرِين وبني عبد الواد، وانحسار نفوذ الموحِّدين واختلالُ أمرِهم الذي آلَ إلى الانقراض في آخر الأمر سنة ٦٦٨ هـ.

وقد أدرك ابنُ عبد الملك أربعةً من الموحِّدين هم أصحابُ الألقاب الآتية: الرّشيد، والمُعتضِد أبو السّعيد، والمرتضَى، والواثق وهو الأخير.

ونعرف من تاريخ ميلاده (٦٣٤ هـ) وتاريخ وفاته (٧٠٣ هـ) أنّ عمُرَه نحو سبعينَ سنة، عاش منه في عهد الموحِّدين (٤٤) سنة تُمثل الشّطر الأول من حياته، وعاش الشّطرَ الثاني، ومدّته نحو ٣٦ سنة في عهد بني مَرِين.

وقد بدَأَ يعي الأحداثَ منذ عهد المعتضد المتلقِّب بالسعيد أَيضًا؛ إذْ نجدُه يصف ترتيبَ الجيش عند "الحركة" لغزوٍ أو سَفَر، معتمدًا على ذاكرة الصِّبا وما سجّلته في صِغره وهو لم يتجاوزْ خمسَ سنوات بكثير، قال: "فهذه هيئة الترتيب، وقد شاهدتُه مرّات في بروز المعتضِد والمرتضَى المذكورين وأبي العلاء إدريسَ بن أبي عبد الله محمد بن أبي حَفْص عُمر بن عبد المؤمن آخِر أمرائهم المعتبَرينَ عندهم، فسبحان من لا يَبيد مُلكه ولا يَفنَى سُلطانه، جلّ جلاله وتعاظَم شأنه" (١).


(١) الذيل والتكملة ١/الترجمة ٢٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>