عليّ الزُّبَيْريّ، وأبي الوليد جابِر بن أبي أيوب، قَرأَ عليهم وسَمِع وأجازوا له. وأجاز له جماعةٌ كبيرة من أهل الأندَلُس والمغرِب والشرِق، وفي شيوخِه كثرةٌ يُنِيفُونَ على مئتين، مَن لقِيَه هو وكتَبَ إليه ضمَّنَهم غيرَ ما مجموع له.
رَوى عنه أبو العبّاس ابنُ الناظِر الأمَويُّ، وأبو محمدٍ طلحةُ، وحدَّثنا عنه شيوخُنا: أبو جعفر بنُ عليّ الطَّبّاع، وأبو الحَسَن بن محمد الرُّعَيْنيّ، وأبو علي الحُسَينُ بن عبد العزيز ابن الناظِر.
وكان أحدَ المُتقِنينَ لعلم القراءات والمُبرِّزِينَ في تجويد القرآن، أحكَمَ الناسِ إعطاءً للحروف حقَّها من مَخارِجها، معَ تهذيبِ اللّسان، نَحْويًّا حاذِقًا أديبًا، قَيَّدَ من الحديثِ والآداب كثيرًا، وعُنيَ بذلك أتمَّ عناية، على فاقةٍ لازمَتْه عُمُرَه اضْطُرَّ من أجلِها إلى التنقُّل في طلب المعيشة. وقَدِمَ شرقَ الأندَلُس فأخَذَ عن طائفةٍ من مشيَختِه، وكان ثقة ثَبْتًا ضابِطًا لِما يَرويه، شديدَ الاحتياطِ عليه، لا يُسامِحُ في الإسماع إلّا بمحضَر أصلِه أو أصل يَرجِعُ إليه.
وكان يُجيدُ مقطَّعاتِ الشعر [٥٦ ب] وكان أيسَرَ شيء عليه النَّظْم، فمِن شِعرِه: ما أنشَدَه الأستاذُ أبو محمد طلحةُ، قال: أنشَدَني أبو بكر بنُ جابر الأستاذُ لنفسِه [السريع]:
يا ناقدَ الدرهم في حكِّه ... مَحَكُّكَ الدرهمُ لو تشعرُ
وعائبَ الناقصِ في طَيْشِهِ ... طَيْشُكَ في تحصيلِهِ أكثرُ
فأنت كالباحثِ عن حَتْفِهِ ... تَخْبُرُ ما أنت به تُخْبَرُ