للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك، وتنَسَّك بأَخَرةٍ من عُمره وأجهَدَ نفسَه قيامًا وصيامًا إلى أن توفِّي في شعبانِ اثنينِ وعشرينَ وستِّ مئة، وكانت جَنازتُه مشهودة.

٣٤٤ - عبدُ الله (١) بن أبي عَمْرٍو بكرِ بن خَلَف بن محمد بن عبد العزيز بن كَوْثَر الغافِقيُّ، كذا وقَفْتُ على نَسَبِه في خطِّ أبيه، وجعَلَ ابنُ الأبار في نَسَبِه سَعيدًا بدَلَ محمد، وهو وَهْمٌ واللهُ أعلم، إشبِيليٌّ شارِبِيُّ الأصل، أبو محمد.

رَوى عن أبيه، وصَحِبَ أبا بكرٍ عبدَ الله بنَ محمد بن زَيْدون.

رَوى عنه أبو الوليد سَعْدُ السُّعود بن عُفَير؛ وكان محدِّثًا حافظًا ظاهِريَّ المذهب، دَيِّنًا فاضلًا، شُجاعًا يَحضُرُ الغَزَوات ويُبلي فيها البلاءَ الحَسَن، استُشهدَ نفَعَه اللهُ ضُحى يومٍ رأى في ليلتهِ بعضُ أصحابِه رُؤيا، وهي أنه رَأى [٥٣ أ] فَدّانًا من فَدادينِ شاربةَ قد أنْبَتَ رَيْحانًا لم يَرَ مثلَه قَطّ، فقَصَّها على أبي محمد هذا عَقِبَ صَلاة صُبح تلك اللّيلة، فقال أبو محمد في تأويلِها: شهيدٌ يتَوفَّى بذلك الموضِع عسَى اللهُ أن يجعَلَنيه، فلم يَرُعْهم، وقد أشرَقتِ الشمسُ يومَئذٍ، إلّا العدُوُّ مُغيرًا على شاربةَ، فأسَرَ بضاحيتِها قومًا ألْفاهُم بها على غِرّة، فرَكِبَ أبو محمد وأحدُ أصحابِه عند ذلك تُجاه العدوِّ وحَمَلا عليهم حتّى استنقذا أولئك الأُسارَى، ثُم لم يَزالا في حربٍ منَ الرُّوم حتى تكاثَرَ الأعلاجُ عليهما، فعَزَمَ صاحبُه على الفِرار، فقال له أبو محمدٍ رحمه الله: أين تريدُ يا فلانُ وهذه الجنّة؟ فلم يَلْوِ عليه وصار إلى شارِبةَ، وناشَبَ أبا محمد القتالَ أحدُ أولئك الأعلاج، فتَطاعَنا حتّى تكسَّرت رِماحُهما، ثُم تَضارَبا بالسّيوفِ حتى سَقَطا معًا عن فرسَيْهما إلى الأرض ويدُ كلِّ واحد منهما في شَعَرِ صاحبِه، وأهلُ شاربةَ ناظرونَ إليهما من أعلى سُور شارِبة، ثُم إن العِلجَ استَصرخَ عِلْجًا آخَرَ فقَصَد إليهما وطَعَنَ أبا محمد من خَلْفِه، فاستُشهِدَ رحمه الله في موضعِ ذلك الرَّيحان، وانْكَفَأَ العدوُّ بغيرِ شيء سوى قَتْل أبي محمد، ولم يُقتَلْ من المسلمينَ حينَئذٍ بذلك الموضع سواه.


(١) ترجمه ابن الأبار في التكملة (٢١١٤)، وابن الزبير في صلة الصلة ٣/الترجمة ١٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>